تحميل بحث حول الخطأ القضائي PDF





مقدمة:
   عمدت الدولة إلى توفير مرافقها بكل الأجهزة بما فيها التكوين البشري، وأحاطتهم بضمانات قضائية لتحقيق العدل، وذلك من خلال تبنيها لمشروع إصلاح العدالة، لكي تكون قادرة على التواجد في كل المجالات للإرتقاء بالعمل القضائي عندها إلى المستوى الذي تمليه الأوضاع بما يربطها بالواقع، وحتى تكون ذات دراية بالمشاكل المطروحة وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لها، وللقضاء مكانة متميزة كأحد المرافق التقليدية للدولة بإعتباره رمز سيادتها ورمز سلطتها فهو حامي الحقوق ، كما يضع على عاتقه رسالة سامية في إرساء دعائم العدل والفصل في المنازعات، لذا أحاط المشرع رجال القضاة بسياج من الضمانات لتفادي التسرع والوقوع في الأخطاء ، ورغم ذلك ونظرا لأن رجال القضاة يمارسون عملهم في ظل ظروف صعبة لذا يمكن في بعض الأحيان أن يصدر عنهم أخطاء تتحمله الدولة .
ويعتبر إقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تطورا كبير في نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الجهاز القضائي، ويمثل اعترافا بحق المواطن في الحصول على التعويض عن الأضرار التي لحقته جراء السير المعيب لمرفق القضاء باعتباره مرفقا عاما من مرافق الدولة تتحمل هذه الأخيرة مسؤولية الأضرار الناتجة عن نشاطه، ويمكن القول بأن تكريس حق التعويض عن الخطأ القضائي بنص دستوري يؤكد على النهج الحقوقي الذي انخرط فيه المغرب من خلال القطع مع بعض التوجهات السابقة المستمدة من تطبيق حرفي لمبدأ عدم المسؤولية عن النشاط القضائي.
وبالرجوع إلى القرن التاسع عشر لم تكن مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها معترفا بها، حيث كانت المسؤولية تعتبر تدخلا في سيادة الدولة، ومع التطورات الإيديولوجية التي حدثت في بداية القرن العشرين، وتحولات الغكر السياسي الذي نقل فكرة السيادة من شخص الملك إلى الدولة أو الشعب، أصبحت هناك إمكانية لمساءلة الدولة أمام القضاء عما أحدثته من أضرار بالمواطنين، ويالتالي أصبح الوزراء والموظفين والقضاة مسؤولون أمام الدولة، وعلى ذلك يمكن القول أن تطورات المنظومة التشريعية، وتطور الفكر القانوني أدى إلى ظهور اتجاه يسلم بفكرة مسؤولية الدولة، وإن كانت هذه المسؤولية في حالات استثنائية بحيث تطورت وأصبحت قاعدة مستقرة تؤكد مسؤولية الدولة عن أعمالها، وبذلك أصبحت المسؤولية لا تتعارض مع السيادة .
وبالنظر إلى أهمية الموضوع فيما يطرحه من تجليات نظرية وعلمية تتمثل في خصوصيته والإشكالات التي يطرحها ومدى تدخل القضاء لحلها ، بالإظافة إلى ذلك فهذا الموضوع يشغل الرأي العام بإعتباره حديث الساعة في ظل غياب قانون تنظيمي يحدد كيفية ممارسته وحدوده .
وتتمحور الإشكالية الرئيسية للموضوع حول الخطأ القضائي ،وتتفرع عن هذه الإشكالية الأساسية إشكالات فرعية تمثل المحاور الكبرى للبحث، ويمكن عرضها مجملة على شكل أسئلة من قبيل :
ما مدى مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ؟ وما هو أساس هذه المسؤولية ؟ وما هي الجهة المختصة بالبت ؟

للإحاطة بهذه الإشكالات سنعتمد على التصميم التالي :

المبحث الأول : المبادئ العامة للخطأ القضائي
 المبحث الثاني : الإختصاص القضائي وواقع الممارسة



المبحث الاول : المبادئ العامة للخطأ القضائي
     يقوم القضاء بأداء رسالة سامية تتمثل في الفصل في المنازاعات ، وإرساء دعائم العدل بين الناس ، ومن هذا المنطلق تكرست المكانة المتميزة للقضاء بإعتباره حامي الحقوق والحريات ، وتم الإرتقاء به ليصبح سلطة مستقلة ، كما أحاط المشروع هيئة القضاء بسياج من الضمانات التي تكفل لهم تحقيق أكبر قدر من الإستقلال والإطمئنان بما يكفل نزاهتهم وحيادهم وحسن تكوينهم .
  ورغم ذلك ، ونظرا لأن القضاة يظل عملهم بشريا معرضا للخطأ والصواب ، فالكمال لله وحده ، علما أنهم يمارسون عملهم في ظل ظروف صعبة ، فقد يمكن في بعض الأحيان أن تصدر عنهم أخطاء قد تنتج عنها أضرار جسيمة تلحق بالأفراد في حياتهم أو حرياتهم أو أموالهم مما يطرح التساؤل عن إمكانية تعويضهم عن تلك الأضرار.
وقد كانت القاعدة التقليدية السائدة قديما هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء(1) ، وقيل تبريرا لذلك بالفكرة السائدة قديما عن سيادة الدولة وحجية الأمر المقضي به والرغبة في حماية حرية القاضي وعدم عرقلة سير العدالة .
وقد سادت تلك القاعدة في كل من فرنسا والمغرب ، وكانت الدولة غير مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن أعمال السلطة القضائية إلا في الحالات الإستثنائية التي ينص عليها المشرع صراحة.
إلا أن هذه القاعدة قد تغيرت تماما في فرنسا بعد أن صدر قانون 5 يوليوز 1972 حيث قرر المشرع الفرنسي قاعدة مقتضاها مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء دون حاجة إلى التماس إعادة النظر أو إلى دعوى المخاصمة ، واقترب بذلك نظام مسؤولية القضاة من نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الإدارة
  أما في المغرب فقد ظل مرفق القضاء خارج إطار هذه المسؤولية حيث كانت الدولة لا تعتبر مسؤولة عن نشاطه إلا في حالات إستثنائية ، بإعتبار القضاء سلطة مستقلة بذاتها .
ويعد اليوم تقرير مسؤولية الدولة عن أعمالها القضائية ،بالرغم من نطاقه المحدود إستكمالا لمبدأ مساءلة الدولة عن أعمال سلطاتها الثلاث بعد أن تقررت المسؤولية عن الأعمال الإدارية والتشريعية ، وأصبحت تلك المبررات التي تقوم عليها قاعدة عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها القضائية غير كافية للإبقاء عليها .

فدسترة مبدأ مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي يعد مستجدا متطورا بحيث سينتقل بالوضع الذي كان سائدا في بلادنا تشريعا وقضاءا من عدم تقرير مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاء كقاعدة عامة إلا في حالات إستثنائية ضيقة وضمن نطاق معين وفق مساطر خاصة ، عبر دعوى مخاصمة القضاة المنصوص عليها في ق م م ضمن فصولها من 391 إلى 401 ومسطرة المراجعة الواردة أحكامها من الفصول 565 إلى 575 من ق م ج.
وبالتالي سنحاول أن نخصص الحديث في هذا المبحث عن الخطأ القضائي وإشكالاته  (المطلب الأول ) وكذا الحديث عن أساسه القانوني ( المطلب الثاني).
المطلب الاول : الخطأ القضائي والإشكالات المرتبطة به
       إن المشرع المغربي على الرغم مما قرره القانون من ضمانات في إجراءات المحاكمة والتقاضي ، إلا أنه قد تحدث لسبب أو لآخر بعض الأخطاء القضائية ، والتي قد تلحق بالمتقاضين ضررا جسيما ، حيث نص في ذلك عن التعويض عن هذه الأخطاء بموجب الفصل 81 من قانون الإلتزامات والعقود الذي نص على أن " القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا عن هذا الإخلال تجاه الشخص المتضرر في الحالات التي تجوز فيها مخاصمته " ورغم إقرار المشرع المغربي أن القاضي محمي من كل أشكال الضغوط ، ورغم إستقلالية السلطة القضائية ، إلا أنه يمكن أن تأثر بعوامل خارجية تؤدي إلى الخطأ في أعماله ، وقد تكون جسيمة فتؤثر سلبا على أعماله وأحكامه ، فتغير بذلك مجرى المحاكمة ، وتسمى في هذه الحالة خطئا قضائيا ، كما أن واقعة الخطأ القضائي تترتب عنه تعويض من الدولة ، ومنه سنتطرق في هذا المطلب إلى :

     الإطار المفاهيمي للخطأ القضائي (الفقرة الأولى ) والإشكالات المرتبطة بالمسؤولية عن الخطأ القضائي ( الفقرة الثانية ) .

 الفقرة الأولى : الإطار المفاهيمي
لتحديد طبيعة الخطأ القضائي يجب تحديد مفهوم الخطأ الذي يعد ركنا من أركان المسؤولية ,( أولا ) ومفهوم الخطأ القضائي كمجال ( ثانيا ) .
أولا : مفهوم الخطأ
أ )  التعريف اللغوي للخطأ
الخطأ والخطاء : ضد الصواب ، ارتكاب ذنب بغير تعمُّد ، ويقال : خطء بمعنى أخطأ، وقيل خطء إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد و يقال : لمن أراد شيئا ففعل غيره أو فعل غير الصواب أخطاء،

ب ) التعريف الاصطلاحي للخطأ
بالرجوع إلى التعريف العام للخطأ فهو" فعل ما لا ينبغي القيام به أو الامتناع عن فعل ما كان يجب القيام به، و الخطأ الايجابي هو الإخلال بالالتزامات و الواجبات القانونية  عن طريق الارتكاب أو الإتيان لأفعال يمنعها أو ينهي عنها القانون و ينتج عن إتيانها و ارتكابها المسؤولية المدنية أو الجنائية أو الإدارية ، و كذلك الأفعال الخاطئة و المنافية لقواعد الأخلاق و الأمانة ، كالغش و التدليس و التي تستلزم التعويض , و أما الخطأ السلبي فهو لا يتحقق إلا حيث يدل الامتناع أو التًرك على عدم تحرز و احتياط من طرف المكلف ، بحكم القانون أو الاتفاق بدفع الضرر الذي حصل(1) . ولا يختلف الوضع فيما يتعلق بتعريف الخطأ في القانون الإداري عنه في القانون المدني، حيث لم يعن المشرع في أغلبية التشريعات بتعريف الخطأ (2)بنص محدد في كلا القانونيين، و بهذا ترك تعريف الخطأ لجهود الفقه و اجتهادات القضاء فكان من الطبيعي أن تختلف التعريفات الفقهية بصفة عامة، لأنه ليس من السهل تحديد هذه الفكرة تحديدا دقيقا، و بالتالي ليس من اليسر تعريف الخطأ تعريفا جامعا مانعا، وربما هذا ما جعل المشرع يحجم عن وضع تعريف محدد للخطأ، مما زاد الأمر تعقيدا و أعطى للفكرة مرونة واسعة، و جعلها فضفاضة تحتمل كنى و نعوتا كثيرة.
ثانيا : مفهوم الخطأ القضائي
أ ) تعريف الخطأ القضائي: هوعدم مطابقة الحقيقة القضائية التي تلفظها العدالة من خلال الأحكام للحقيقة التي تكشفها الوقائع الحاصلة فعلاً على الأرض (1) .لأن العمل القضائي هو من طبيعة البشر والإنسان ليس معصوماً عن الخطأ مهما بلغت حصانته النفسية أوالعلمية أوالقانونية .وهو في القضايا الزجرية حالة البريئ الذي حكم زوراً أوالمذنب الذي برِأ بهتاناً.
وإذا كان الخطأ القضائي وارداً في كافة انواع القضايا كالمدنية والتجارية وغيرها إلا أن وقعه يبقى أقسى وأخطر في الأحكام الزجرية، لأنه يطال أهم المصالح المحمية قانوناً ألا وهي حياة الإنسان وحريته وسمعته ومستقبله.
فالخطأ القضائي بهذا المعنى يذهب في اتجاه واحد أي الحكم على بريئ او تبرئة مذنب خاصة مع التركيز المستمر اليوم على حماية حقوق الإنسان من جهة، وتعاظم دور الإعلام المعاصر في تسليط الضوء على كل ما من شأنه الإساءة لهذه الحقوق من جهة أخرى وأهمها الظلم تجاه الأبرياء والضعفاء، أوعلى الأقل المشكوك بمسؤوليتهم وبالأخص عندما يأتي هذا الظلم من السلطة التي يفترض أن تحميهم أي السلطة القضائية.
 لذا وضعت معظم التشريعات المعاصرة ألية خاصة لمراجعة أخطاء السلطة القضائية في إصدار الأحكام كأساسٍ لإستقلاليتها ، ووازنت بين إحقاق الحق ومقتضيات العدالة من ناحية، والمبادئ القانونية التي ترعى مصداقية الأحكام واستقلالية السلطة القضائية من ناحية أخرى.
ففتح الباب على مصراعيه والإفساح في المجال لكل من يعتبر نفسه مظلوماً من جرَاء صدور حكم بحقه في مراجعة الجهات المختصة، يفسد عمل السلطة القضائية ويجعلها عرضة للإهتزاز وانعدام الثقة . بالمقابل فإن إقرار المبدأ وتقييده بضوابط وشروط تعجيزية تجعل صاحب الحق المفترض غير قادرٍ على استيفائها لقبول مراجعته ، وحتى لو قبلت في الشكل فإن الحصول على نتيجة في الأساس لن يكون مضموناً بفعل عوامل كثيرة :
 أولها النص بحد ذاته الذي يحتمل التأويل،  وثانيها مسار الإجراءات وتعقيداتها  . (1)
كما يعتبر الخطأ القضائي الوجه الآخر لعمل السلطة القضائية وفقا للمثل المعروف  "من يعمل لا بد أن يخطئ " ولو كان الخطأ مجرد فرضية أو احتمال قد لا يحصل أبدا وإن حصل فلا شك أنه يشكل الإستثناء على القاعدة ويكون بنسبة ضئيلة جدا .
ب ) أنواع الخطأ المرتكب من طرف الموظف العام
·       الخطأ الشخصي
الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي يقترفه و يرتكبه الموظف العام ، إخلال بالتزامات وواجبات قانونية يقررىا القانون المدني، فيكون الخطأ الشخصي للموظف العام خطأ مدنيا و يرتب مسؤوليته الشخصية و قد يكون إخلال بالالتزامات و الواجبات القانونية الوظيفية المقررة و المنظمة بواسطة قواعد القانون الإداري فيكون الخطأ الشخصي للموظف العام هنا خطأ تأديبيا.
·       الخطأ المرفقي
الخطأ المرفقي هو الخطأ الذي ينسب إلى المرفق ، أي أن يكون سبب الضررهو المرفق بالذات ، وهو الذي يشكل إخلالا بالتزامات سابقة وواجبات قانونية سابقة عن طريق التقصير و الإهمال الذي ينسب و يسند إلى المرفق ذاته.
الفقرة الثانية : الإشكالات المرتبطة بالمسؤولية عن الخطأ القضائي .
سنعرض في هذه الفقرة مبدأ مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي والإستثناءات التشريعية من قاعدة عدم المسؤولية (أولا) ، وكذا مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية في التشريع المقارن (ثانيا) .
أولا : مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية
   إن القاعدة التقليدية السائدة قديما هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء ، وقيل تبريرا لذلك بالفكرة السائدة عن حجية الأحكام وقوة الشيئ المقضي به والرغبة في حماية حرية القاضي وعدم عرقلة سير العدالة
 وقد سادت تلك القاعدة في كل من فرنسا والمغرب وكانت الدولة غير مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن أعمال السلطة القضائية إلا في الحالات الإستثنائية التي ينص فيها المشرع صراحة على ذلك .
إلا أن هذه القاعدة قد تغيرت تماما في فرنسا بعد أن صدر قانون 5 يوليوز 1972 ، حيث قرر المشرع الفرنسي قاعدة جديدة مقتضاها مسؤولبة الدولة عن أعمال القضاء واقترب بذلك نظام مسؤولية القضاة من نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الإدارة .

أما في المغرب وإلى غاية دستور 2011 فإن القاعدة السائدة هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ، وإن كان المشرع قد خرج عليها في بعض الحالات وقرر بنصوص تشريعية صريحة مسؤولية الدولة عن بعض تلك الأعمال(1)  .
 ونعرض فيما يلي لمبررات قاعدة عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية والإستثناءات التشريعية من تلك القاعدة ، ثم بعد ذلك سنتطرق إلى مدى تقرير مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء في التشريع المقارن ( فرنسا والجزائر نموذجا).
1 ) مبررات عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية .
استند الفقه والقضاء إلى حجج عديدة لتبرير عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية أهمها ما يلي :
 ● حجية الأحكام وقوة الشيئ المقضي به .
تعد حجية الأحكام وقوة الشيئ المقضي به أهم التبريرات لعدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية .
ومفاد تلك الحجة أن الحكم متى استنفد طرق الطعن فيه فإنه يحوز قوة الشيئ المقضي به ويعتبر عنوان الحقيقة فيما قضى به ، وذلك حتى تتوقف الخصومة عند حد معين وتستقر المراكز والحقوق الفانونية ، ويترتب على ذلك عدم جواز الطعن في الحكم .
ولذا فإن السماح للأفراد بالمطالبة بالتعويض عن الأحكام القضائية النهائية الحائزة على حجية الشيئ المقضي به أن تلك الأحكام مخطئة ، يتعارض مع فكرة الحجية لأنه يعني إثارة النزاع مرة أخرى أمام المحكمة التي سوف تنظر في طلب التعويض، كما أن ذلك يعد طعنا في الحكم بطريق غير مباشر.
غير أن هذه الحجية لا يمكن التسليم بها ، لأنه من ناحية لا تعتبر كل أعمال القضاء أحكاما قضائية تحوز قوة الشيئ المقضي به ، فتوجد أعمال أخرى تصدر عن القاضي ولا تتمتع بقوة الشيئ المقضي به ، من أمثلة ذلك الأحكام التمهيدية ، كما أن القليل من أعمال النيابة العامة هو الذي يتمتع بحجية الشيئ المقضي به كقررات الحفظ ، بينما  معظم أعمالها لا يتمتع بتلك الحجية مثال اجراءات التفتيش والقبض والإعتقال الإحتياطي.
بالإظافة إلى أن حجية الأحكام لا تحول دون تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ، كما هو الشأن عند المطالبة بالتعويض عن مدة الإعتقال الإحتياطي ، فطلب التعويض في هذه الحالة لا يتعارض مع حجية الحكم الصادر .
وأخيرا فإنه للقول بعدم مسؤولية الدولة عن الأحكام القضائية التي تحوز حجية الأمر المقضي به ، فإن ذلك يتطلب توافر ثلاثة شروط وهي وحدة الموضوع ، وحدة السبب ، ووحدة الأشخاص، فالمضرور يطالب بالتعويض عن خطأ ارتكبه مرفق القضاء ، ولذا فهو يختصم الدولة ولا يوجه مطالبته إلى الخصم السابق ، كما أنه يطالب بالتعويض عما اصابه من ضرر ولا يعيد النزاع إلى المحاكم مرة أخرى.

 ●عرقلة سير العدالة .
إن القول بكون المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية من شأنها أن تؤدي إلى تردد القضاة في إصدار الأحكام ويقعدهم عن اداء واجبهم على الوجه الأكمل خوفا من المسؤولية، من شأن ذلك بالتبعية أن يعرقل سير العدالة، وهو قول في الواقع محل نظر، فهو يصدق إذا كان المطلوب هو تقرير المسؤولية الشخصية للقضاة، ويقومون بدفع التعويض من مالهم الخاص، أما إذا كنا بصدد مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء فلا تستقيم تلك الحجة .
بل ذهب البعض إلى أن إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء من شأنه أن يؤدي إلى تردد القضاة في إصدار الأحكام والخوف من المسؤولية، وهذا من شأنه علاوة على عرقلة سير العدالة، ارهاق الخزينة العامة للدولة.
إلا أن تلك الحجة لم تسلم من النقد، فالقول بأن تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء يخشى أن يؤدي إلى عرقلة سير العدالة، يمكن أن يكون صحيحا لو كنا بصدد إقرار المسؤولية الشخصية لرجال السلطة القضائية في أثناء تأدية وظائفهم، ولكننا بصدد مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاء كسلطة من سلطاتها.
كما أن القول بأن مبالغ التعويض التي ستدفعها الدولة سيؤدي إلى إرهاق الخزينة العامة، غير سليم لأن أعمال القضاء عادة تحاط بضمانات متعددة تحول دون كثرة أخطاء القضاة .
ونخلص مما سبق إلى أن المبررات التي تم الإستناد إليها لتبرير عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء لا تقوم على أساس سليم .
استقلال السلطة القضائية
 تحرص الدول الحديثة في دساتيرها على تقرير استقلال القضاء في اداء وظيفته في تدخل أي سلطة من سلطات الدولة، وتسمح لكل محكمة وكل قاض داخل السلطة القضائية بالقدر اللازم من هذا الإستقلال .

ولقد ترتب على هذا الإستقلال ان ذهب البعض إلى أنه لا يجوز أن تترتب مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، لأن الدولة تسأل عن أعمال موظفيها لما لها عليهم من سلطة التوجيه والإشراف والرقابة، وهو ما لا تملكه بالنسبة للقضاة الذين لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. فالعلاقة بين الحكومة من جهة والقضاء وأعضاء النيابة العامة من جهة وأخرى ليست علاقة سيد بخادم أو متبوع بتابع (1) .


للتحميل المرجو الضغط  الخطأ القضائي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عرض حول طرق الطعن في المادة الجنائية PDF

دورة مجانية بالكامل للتحضير لاختبار ال أيلتس IELTS لتعلم اللغة الإنجليزية على منصة EDX

دورات تكوينية مجانية لتعلم اللغة الإنجليزية من جامعات عالمية في بريطانيا مرفقة بشهادة معتمدة مجانية