التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية –دراسة مقارنة- مع استحضار قانون 110.14 (PDF)
التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية –دراسة مقارنة- مع استحضار قانون 110.14 (PDF)
مقدمة
إن الحس الفطري الذي يتمتع به الإنسان والدافع الغريزي لحب البقاء، جعله في بحث عن مختلف السبل والوسائل التي تجعله في منأى عن مختلف الأخطار المحدقة بشخصه أو بممتلكاته والتي تكفل له الأمان، خاصة أن هذا الأخير يعد من الأولويات التي حاول الإنسان توفيرها منذ زمن بعيد لذلك ظهرت الحاجة إلى التأمين في صورة تضامن جماعي على أساسه يتعاون الأشخاص مع الشخص الذي تصيبه الواقعة الكارثية، ونظرا لتزايد هذه الأخيرة وما تخلفه للإنسان من أخطار كالحوادث والأمراض، وإدراكه بعدم القدرة على مواجهة هذه الأخطار لوحده بدأت شركات التأمين في ظهور للحد من الآثار والعواقب التي تخلفها.ومن أشهر التعاريف التي وضعت للتأمين، تعريف الفقيه "هيمار" الذي يعتبره "عملية بموجبها يحصل أحد المتعاقدين، وهو المؤمن له، في نظير مقابل يدفعه، على تعهد بمبلغ يدفعه له أو للغير، إذا تحقق خطر معين، المتعاقد الآخر وهو المؤمن، الذي يدخل في عهدته مجموعة من هذه الأخطار يجرى مقاصة فيما بينهما طبقا لقوانين الإحصاء".[1]ولقد عرف التأمين بالمغرب تحولا جذريا منذ القانون المؤرخ في 31 مارس 1919 المتعلق بالتجارة البحرية الذي كان يسري على عمليات التأمين آنذاك، إذ بعده صدرت مجموعة من التشريعات المتعلقة بالتأمينات البرية، أهمها ظهير 30 أكتوبر 1920 المتعلق بالشركات أو صناديق التعاضديات الفلاحية للتأمين، والقرار الصادر في 28 نونبر 1934 المتعلق بعقد التأمين الذي كان مجرد نسخة طبق الأصل للقانون المؤرخ في يوليوز 1930[2].ولم يعرف المغرب مدونة تجمع كل هذه المقتضيات إلا في 3 أكتوبر 2002[3]، إلا وأنه رغم صدور مدونة التأمينات هذه فإن المشرع لم ينص على تأمين الكوارث فيها، رغم ما تشكله الكوارث الطبيعية أو البشرية من خطر على الإنسان في ماله وحياته، لكن قد تم تدارك هذا الفراغ التشريعي بمقتضى القانون رقم 110.14 المتعلق بالوقائع الكارثية[4]، الذي جاء بنظام يرتكز على إجبارية التأمين ضد الوقائع الكارثية، وتعويض ضحايا هذه الوقائع الذين لا يتوفرون على أية تغطية من عواقب هذه الكوارث.مما لاشك فيه، أن الأهمية التي يكتسيها موضوع التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية يمكن تحديدها عمليا من خلال كثرة تعرض الناس في حياتهم للوقائع الكارثية، وتساؤلهم عن كيفية التعويض عن الأضرار التي تترتب عن هذه الوقائع لاسيما أن المشرع المغربي لم يتطرق إليه إلا حديثا، كما لا تنحصر أهمية الموضوع في هذا حسب، بل أن المجهودات الدولية كانت تنصب دائما للحد من هذه الوقائع منذ أطلقت الأمم المتحدة في دجنبر 1999 الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التي تهدف إلى تحسين التأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية، ونظريا من خلال كون هذا الموضوع جديد على الساحة القانونية وقلة البحوث فيه مما يستدعي منا دراسته والبحث فيه.
إلا أن هذه الدراسة لم تخلو من صعوبات أهمها قلة المراجع المتخصصة فيما يخص موضوع العرض نظرا لحداثته في الساحة القانونية خاصة في التشريع المغربي الذي لم تظهر بوادره إلا في السنوات الأخيرة.على هذا الأساس تطرح إشكالية مفادها: إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تغطية وتعويض الأشخاص الذين لا يستفذون من تغطية عن عواقب الوقائع الكارثية؟
في أفق الإجابة عن الإشكالية المطروحة ، اقتضت الدراسة أن نتبع المنهج التحليلي من خلال تحليل بعض النصوص القانونية سواء القانون 110.14 أو مدونة التأمينات الفرنسية وغيرها، وكذا المنهج المقارن من خلال المقارنة بالتشريعات السباقة إلى التأمين ضد العواقب الكارثية، إضافة إلى المنهج الوظيفي من خلال تبيان وظائف بعض المؤسسات وفق التصميم الآتي:
المبحث الأول: أحكام التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية
المبحث الثاني: آليات التعويض عن الواقعة الكارثية
المبحث الأول: أحكام التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية
يدخل التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية ضمن التأمين على الأضرار، وذلك بالنظر إلى المحل الذي يقع عليه الخطر والمتمثل في أموال مملوكة للأشخاص معرضة لأضرار ناتجة عن أفعال ليس للإرادة البشرية أي دور في تحققها من عدمها.
حيث قد يحدث للمرء أن يتعرض لواقعة كارثية قد تكون طبيعية أو بشرية، ومن الأولى نجد الزلازل والبراكين والفيضانات...، والثانية قد تكون أعمال إرهابية أو اضطرابات شعبية...[5]
ونظرا لحدوث الوقائع الكارثية بين الفينة و الأخرى، فارتأت المنظومات التشريعية إقرار التأمين عليها، من بينها التشريع المغربي وكذلك التشريعات المقارنة، التي وضعت شروط متى توفرت استحق المتضرر من الواقعة الكارثية التعويض عنها، لكن أخذا بعين الاعتبار اهماله وعدم أخذه الاحتياطات اللازمة لتفادي الإضرار به، ويظل السؤال هل جميع الأشخاص من حقهم التأمين على عواقب الواقعة الكارثية أم لا؟
بناء على ما سبق سنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: المطلب الأول سنخصصه للحديث عن مفهوم التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية، في حين سنخصص المطلب الثاني للحديث عن نطاق التأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية من حيث الأشخاص.
المطلب الأول: مفهوم التأمين ضد الواقعة الكارثية
المطلب الأول: مفهوم التأمين ضد الواقعة الكارثية
إن المشرع المغربي قد نص على إحداث نظام لتغطية عواقب الواقعة الكارثية بموجب القانون رقم 110.14 والذي يهدف من خلاله تعويض ضحايا الوقائع الكارثية، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هل قصد المشرع من هذا التعويض هو جبر الضرر أم تضامنا فقط مع الضحايا؟.
وكما سلف البيان، فالواقعة الكارثية قد تكون واقعة تعود لعامل طبيعي وقد تكون واقعة كارثية راجع سببها إلى عامل بشري، وبالرجوع إلى القانون المغربي لاسيما القانون 110.14 نجده أقر بتعريف الواقعة الكارثية (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى التشريعات المقارنة التي عرفت بدورها كذلك الواقعة الكارثية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعريف الواقعة الكارثية في التشريع المغربي
من المعلوم أنه بين الفينة والأخرى تحدث وقائع كارثية، قد تغير الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان فتحدث اضطرابات جسيمة بالطبيعة والإنسان على حد سواء مما يحتم على المشرع التدخل لوضع نصوص قانونية منظمة للتأمين ضد عواقب الواقعة الكارثية.
وعليه، تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي وضع تعريفا دقيقا للواقعة الكارثية في إطار القانون رقم 110.14، وخصوصا المادة الثالثة منه التي جاء فيها أن الواقعة الكارثية تعتبر كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب، يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان.[6]
يمكن القول إذن أن المشرع المغربي أقر صراحة بأنواع الواقعة الكارثية، حيث قسمها إلى كوارث طبيعية التي يرجع مصدر وقوعها إلى عامل طبيعي، وأخرى كوارث بشرية يرجع سبب حصولها إلى العامل البشري ولا ثالث لهما على عكس المشرع الفرنسي الذي أضاف العامل التكنولوجية.
وعليه، نستخلص من التعريف القانوني السابق أنه للحديث عن الواقعة الكارثية في التشريع المغربي ينبغي توفر شروطها والتي تتمثل في وقوع حادث بفعل القوة غير العادية، وأن يحدث ذلك الفعل أضرار وذلك كله داخل التراب المغربي وليس في أي دولة أخرى.
ويشكل عامل القوة غير العادية لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على المواصفات التالية:
- أن تتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم إمكانية التوقع. وفي حالة إمكانية توقع الحادث، يشترط أن لا تمكن التدابير الاعتيادية المتخذة من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ هذه التدابير؛
- أن تشكل آثاره المدمرة خطورة شديدة بالنسبة للعموم.
أما الفعل العنيف للإنسان فيعتبر واقعة كارثية إذا كان:
- يشكل فعلا إرهابياً؛
وبالتالي فالمشرع المغربي في إطار القانون 110.14 حددا بشكل دقيق خصائص الوقائع الكارثية التي يمكن من خلالها للمتضررين طلب التعويض دون غيرها من الوقائع الأخرى.
وقد استثنى المشرع المغربي في المادة 5 من القانون 110.14 الأضرار الناتجة عن الإشعاعات النووية من الإستفادة من نظام تغطية عواقب الواقعة الكارثية، على عكس المشرع الفرنسي الذي قرر إجبارية التأمين على أخطار المحطات النووية لكون الإصابات النووية هي ذات خطورة شديدة، وبالتالي نفس الملاحظة نسجلها على المشرع المغربي لعدم نهجه للتوجه الفرنسي في هذا الصدد، وكذلك تعتبر أعمال الحرب سواء الداخلية أو الخارجية مستثناة من نطاق التأمين، بالإضافة إلى الجريمة الإلكترونية، والتي كان على المشرع ألا يستثنيها من نطاق الوقائع الكارثية نظرا لخطورتها على المجتمع ككل.
الفقرة الثانية: تعريف الواقعة الكارثية في التشريع المقارن
مما لا شك فيه، أن التشريعات المقارنة إلى جانب التشريع المغربي بدورها عرفت الواقعة الكارثية، فبخصوص التشريع المصري نجده قد عرف الكارثة بموجب القانون البيئي رقم 94.03 بأنها الحدث الناجم عن العوامل الطبيعة أو فعل الإنسان والذي يترتب عليه ضرر شديد بالبيئة وتحتاج مواجهتها إلى إمكانات تفوق القدرات المحلية.
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي[8] فلم يضع تعريفا للواقائع الكارثية وإنما حدد عناصرها في المادة 126-1 من مدونة التأمينات الفرنسية وفق آخر التعديلات، حيث ما يميزه عن المشرع المغربي هو إمكانية تعويض ضحايا الوقائع الكارثية الذين يحملون للجنسية الفرنسية في الخارج وهذه ميزة إيجابية يتميز بها القانون الفرنسي عن المغربي في هذا المجال. أما المشرع الجزائري فلم ينص إلا على الوقائع الكارثية التي يرجع سبب حدوثها إلى العوامل الطبيعية دون الكوارث التي يرجع سبب حدوثها العامل البشري.
هكذا نستنتج أن المشرع المغربي في إطار المادة 3 من القانون رقم 110.14 نص على كل من الواقعة الكارثية الطبيعية والواقعة الكارثية التي يرجع سبب وقوعها إلى الفعل العنيف للإنسان، وهو نفس التوجه الذي ذهب إليه التشريع المصري، على خلاف المشرع الجزائري الذي اقتصر فقط تنصيصه على الواقعة الكارثية الطبيعية دون الواقعة التي يرجع سبب حصولها إلى الفعل العنيف للإنسان.
المطلب الثاني: نطاق التأمين ضد العواقب الكارثية من حيث الأشخاص
بالرجوع إلى القانون 110.14 نجد أنه ميز بين نوعين من الفئات، فئة تتوفر على عقود التأمين ضد عواقب الوقائع الكارثية، وفئة أخرى لا تتوفر على هذا العقد، هذه الفئة الأخير هي التي تستفيد من وجود صندوق التضامن ضد عواقب الوقائع الكارثية، كما هو الشأن بالنسبة لصندوق مال الضمان بالنسبة لحوادث السير مع وجود فوارق بسيطة، إذن ماهي بالتفصيل هذ الفئات المعنية بهذا القانون.
حيث سنتناول في الفقرة الأولى الأشخاص الملزمون بالتأمين ضد الوقائع الكارثية، وفي الفقرة الثانيةنعالج الأشخاص الذين لا يتوفرون على التأمين.
الفقرة الأولى: الأشخاص الملزمون بالتأمين ضد الواقعة الكارثية
وضعت المادة 64-1 من القانون 110.14 العقود التي يجب أن تشملها التعويضات، مع وضع بعض الاستثناءات ففيما يخص هذه العقود نجد عقود التأمين التي تغطي الأضرار اللاحقة بالأموال إضافة إلى عقود التأمين التي تغطي المسؤولية المدنية، التي يمكن أن تثار بسبب الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار و التي تسبب فيها عربة ذات محرك.[9]
إضافة إلى العقود التي تغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تثار بسبب الأضرار البدنية اللاحقة بالأغيار غير مأموري المؤمن له، إلا أن المشرع وضع بعض الاستثناءات التي تطبق عليها الاجبارية و المتمثلة في عقود التأمين للطيران وعلى تأمين الأضرار اللاحقة بالمحاصيل الزراعية غير المخزنة و المزروعات و الأغراس الفلاحية، ويكون الأشخاص المكتتبين مدينين بأقساط و اشتراكات.[10]
وبالتالي فإن كل الأضرار اللاحقة بالأموال المؤمن عليها التي يكون أحد المتضررين طرفا يستحقون تعويضا.
واللافت للنظر في هذا القانون هو كيفية تحديده للأشخاص ذوي الحقوق عندما يكون المتضرر هو مالكا للعربة البرية ذات محرك، وفي نفس الوقت شخصا ذاتيا ، فإنه خلافا لما تم التنصيص عليه في ظهير 1984 و الذي عدد ذوي الحقوق في الأصول[11] من الدرجة الأولى إلا أن هذا القانون حدد فقط أزواج المتضرر و أولاده الموجودين تحت كفالته، إلا أن المقتضى الذي أغفله هذا القانون هو إمكانية التعويض عن الأضرار المعنوية و التي يعوض في إطارها ظهير 1984 خصوصا وأن من الانتقادات الموجهة له هو عدم توسيع من الفئات المقيدة، فهل يعتبر القانون 110.14 مضامينه تراجعا على هذا المستوى؟
إن بالركون إلى المادة 64-4 فإنه يغطي الضمان كذلك وفي إطار عقود التأمين أيضا الأضرار البدنية التي يتعرض لها الأشخاص غير مأموري المؤمن له، و الموجود في الأماكن المنصوص عليها في عقد التأمين، دون إغفال ذوي حقوقهم بسبب وفاتهم، وتكون الوفاة ناتجة عن الواقعة الكارثية،[12] أي وجود العلاقة بين الضرر و الفعل الناتج عن الكارثة.
هذا وإن كان القانون قد حدد الأشخاص الذين يستفيدون من التعويضات محددين، وذلك بتوفرهم على عقود تأمين، فإن هناك طائفة أخرى لا تتوفر على التأمين فما مصيرها وفق هذا القانون خصوصا عند وقوع كارثة وهذا ما نراه من خلال الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: وضعية الأشخاص الذين لا يتوفرون على عقود التأمين
إن مبادئ العدالة و الانصاف تقتضي أن يستفيد كل شخص داخل الوطن من تعويضات ناتجة عن وقائع كارثية، نظرا للواجبات التي يمثلها داخل المجتمع، و إذا كان ظهير 2 فبراير 1984 قد حدد الحالات التي يتم استيفاء التعويض من صندوق مال الضمان و هي حالة عدم توفر المصاب على تأمين يكفل له العودة إلى هذا الظهير، وكذا عندما يكون صاحب العربة المرتكب للحادثة مجهولا،[13] أما بالنسبة للقانون 110.14 فإنه قد وسع من هذه الفئة ، وذلك من خلال المادة 28 حيث ينص مضمون هذه المادة على أنه في حالة عدم توفرهم على أي تغطية أخرى ضد عواقب هذه الواقعة الكارثية وهم الأشخاص الذين أصيبوا بضرر بدني ناجم مباشرة عن الواقعة الكارثية و حتى الأشخاص الذين يساهمون في عملية الإنقاذ و الإغاثة وأسباب الأمن المرتبطة بهذه الواقعة أو ذوي حقوقهم في حالة وفاة هؤلاء الأشخاص أو فقدانهم[14].
مما يعني أن المشرع و إن وسع من نطاق الاستفادة وذلك للبعد الإنساني الذي تقتضيه مثل هذه الحالات، إضافة إلى أعضاء العائلة، الذين بسبب هذه الواقعة بشكل مباشر في جعل مساكنهم الرئيسي غير صالح للسكن، وحسنا ما فعل المشرع عبارة عائلة المصاب يكون جاءت المادة موسعة لتشمل كل من له علاقة بالمصاب، ولم يقف المشرع عند هذا الحد بل أعطى إمكانية لغير الأعضاء في العائلة للاستفادة من التعويضات التي منحها الصندوق المذكور وذلك عندما يكون ازواجهم أو أطفالهم الذين هم تحت كفالتهم ، أما الفقرة الأخيرة من المادة 28 فهي وسعت من الأشخاص الغير المتوفرين بل ذهبت أبعد من ذلك وأعطت إمكانية الحصول على التعويض حتى في حالة وجود تغطية أخرى لكن لا تمنحه أكثر مما سيمنحه صندوق التضامن، مع خصم التعويض الممنوح في إطار هذه التغطية من المبلغ الذي يمكن للشخص أن يحصل عليه من الصندوق.[15]
والملاحظ من هذه المواد أن المشرع توجهت سياسته التشريعية إلى محاولة تعويضات على أساس التضامن وليس على أساس جبر الضرر، مما سيؤدي إلى منح تعويضات هزيلة قد لا تناسب حجم الضرر الذي أصاب الضحايا.
أما بالنسبة للأشخاص الذين استثناهم القانون من الاستفادة من التعويضات التي منحها صندوق التضامن، وهم المسؤولون الأصليون و المساهمون و المشاركون في فعل إرهابي أدى إلى حدوث الواقعة الكارثية[16]، فإذا أمكن القول أن المشرع موفقا بهذا الشأن بحرمان من تسبب في أفعال إرهابية، فإنه على العكس من ذلك لا يمكن القبول بحرمان ذوي الحقوق من التعويضات الممنوحة عن فقدان مورد العيش الممنوحة من طرف الصندوق المذكور من جراء وفاة الفاعلين، لأن قواعد الإنصاف و العدالة وكذلك حتى بالرجوع إلى القانون الجنائي فإن الإنسان لا يتحمل نتائج أفعاله، و لا يعاقب إلا من ارتكب الفعل الجرمي، ويتحمل مسؤولية أفعاله، ويبقى السؤال المطروح ما المعيار الذي اعتمده المشرع في حرمان هذه الفئة.
المبحث الثاني: آليات التعويض عن الواقعة الكارثية
إن وعي التشريعات الحديثة بمخاطر الكوارث سواء كانت طبيعية أو بشرية جعلتها تتجه إلى إحداث نظام مؤسساتي يهدف إلى تغطية مخاطر هذه الوقائع الكارثية وتنظيم تدبير عملية تعويض المتضررين في إطار منظومة تعتمد على الحكامة الجيدة والتسيير المعقلن للموارد، خاصة أن الدولة قد يتعذر عليها تعويض كل المتضررين من الكوارث بكافة أصنافها ومختلف أضرارها والتي تلحق جميع فئات المجتمع، الشيء الذي جعلها تلجأ إلى إيجاد سبل تضمن تحقيق إقامة المسؤولية على مبدأ التضامن اﻹجتماعي من جهة ومن جهة اخرى تنطوي على آليات تخفيف عن الدولة ثقل أعباء التعويض عن أضرار الكوارث، وقد تمثلت مبادرات هذه التشريعات في هذا اﻹتجاه ابتداء بتطويع قواعد نظام التأمين، ثم بعد ذلك أردفت تلك المبادرات بإنشاء صناديق تأخذ على عاتقها تعويض المتضررين من جراء وقوع تلك الكوارث الشيء الذي نتج عنه وجود سبل وآليات من شأنها إعمال مبدأ التضامن اﻹجتماعي، من خلاله يستطيع المتضرر الحصول على التعويض العادل والعاجل عما أصابه من ضرر من جراء الكارثة من غير أن يتحمل عناء البحث عن المسؤول عن هذا الضرر. ولمعرفة توجه التشريعات في هذا اﻹطار سنسلط الضوء أولا على التشريع المغربي (المطلب الأول)، ثم بعد ذلك نعرج إلى الحديث عن التشريع المقارن في ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: التعويض عن الواقعة الكارثية في التشريع المغربي
دفعت الخسائر المادية والبشرية التي خلفتها العديد من الكوارث خاصة الطبيعية منها، المشرع المغربي إلى اتباع استراتيجية من أجل التعويض عن اﻷضرار التي تترتب عن هذه الوقائع، هذا التوجه الذي نهجه المشرع المغربي في هذا المجال أفضى إلى إصدار القانون رقم 110.14، من خلاله تم إحداث الجهة المكلفة بهذا التعويض وفق إجراءات قانونية محددة (الفقرة اﻷولى)، هذه المهمة لم تخلوا من نزاعات مما جعل المشرع يتنبأ إليه من خلال إحداث لجنة مكلفة بتسوية تلك النزاعات (الفقرة الثانية).
الفقرة اﻷولى: الجهة المختصة في التعويض وإجراءات الاستفادة منه
لما كان القانون رقم 110.14 يؤسس فلسفته في منح التعويض للأشخاص غير المتوفرين على التأمين على عواقب الواقعة الكارثية على أساس مبدأ التضامن الوطني المنصوص عليه في الفصل 40 من دستور المملكة[17] وليس على أساس جبر الضرر كما هو متعارف عليه وفق القواعد العامة، كان لزاما على المشرع المغربي أن يحدث جهازا تناط به مهمة القيام بهذا التعويض (أولا)، وذلك وفق إجراءات مسطرية (ثانيا).
أولا: الجهة المختصة في منح التعويض
بالرجوع إلى القانون رقم 110.14 فإن الجهة المختصة في منح التعويض عن عواقب الواقعة الكارثية تتمثل في "صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية" بالنسبة للأشخاص الذين تضرروا من هذه الكوار ولا يتوفرون على التأمين، أما بالنسبة للذين يتوفرون على عقود التأمين فشركات التأمين التي تم إبرام لديها هذه العقود هي التي تتولى منح لهم التعويض. وحسب المادة 15 من هذا القانون يعتبر صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية شخصا اعتباريا خاضعا للقانون العام يتمتع بالاستقلال المالي، ويخضع لوصاية الدولة التي تهدف إلى العمل على تقييد أجهزته المختصة بالمهام المنوطة به والسهر على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل[18]، وما يلاحظ في هذا الصدد أن المشرع برز استقلالية هذا الصندوق في الجانب المالي فقط دون الجانب الإداري، مما يعني أنه بإمكان بعض الجهات الأخرى أن تتدخل في مهامه، هذه الأخيرة تتجلى حسب المادة 17 في ما يلي:
1ـ تعويض ضحايا الوقاع الكارثية؛
2ـ منح قروض لمقاولات التأمين وإعادة التأمين، في إطار اتفاقيات يمكن أن تبرم معها لهذا الغرض؛
3ـ المساهمة في الضمان الممنوح من طرف الدولة؛
4ـ صياغة اقتراحات وإبلاغها إلى الإدارة بهدف تحسين النظام؛
5ـ إعداد معطيات إحصائية ومالية تتعلق بعواقب الوقائع الكارثية وإبلاغها إلى الإدارة بناء على طلبها؛
6ـ إنجاز أو الأمر كل الدراسات التي يراها ضرورية لممارسة مهامه.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصندوق ليس هو الوحيد الذي يقوم بهذه المهام، بل منح المشرع بموجب المادة 9 للجنة تتبع الوقائع الكارثية الحق في مساعدته في تقييم الأضرار اللاحقة بضحايا واقعة كارثية، لكن ما هي نوعية الأضرار التي سيتم تقييمها؟ بمعنى آخر هل التعويض يهم الأضرار المادية أم يشمل كذلك حتى الأضرار المعنوية؟
كإجابة عن السؤال بحثنا في مقتضيات القانون 110.14 وجدنا أن الأضرار التي يشملها التعويض هي أضرار مادية وناجمة مباشرة عن الواقعة الكارثية مما يعني استبعاد الأضرار غير المباشرة، حتى مقتضيات الباب الخامس المتعلق بتأمينات عواقب الوقائع الكارثية المضاف بمقتضى القانون السالف الذكر يستخلص منها نفس الشيء، وبالتالي لا وجود لأي إشارة واضحة عن الضرر المعنوي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تثار إشكالية مفادها هل التعويضات التي يمنحها هذا الصندوق ستشمل ضحايا الكوارث الطبيعية التي شهدتها المملكة مؤخرا ويتعلق الأمر بفاجعة إنقلاب حافلة نواحي مدينة الرشيدية بسبب فيضانات وادي "درمشان"، وكذا فاجعة إجوكاك، والفيضانات التي أودت بحياة مجموعة من الأشخاص بإحدى ملاعب كرة القدة بإقليم تارودانت، مع العلم أن هذا النظام الذي جاء به هذا القانون لم يفعل بعد، ولن يتم ذلك إلا في فاتح يناير 2010، وبالتالي لا يمكن أن يكون له العد العكسي في التدخلات المتعلق به[19]، أي أن هذا القانون لا يمكن أن يسري بأثر رجعي.
ومادام أن هذا النظام يؤسس فلسفته على التضامن في التعويض، فلابد أن يسري التضامن كذلك في تمويل مداخيل الصندوق، وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 26 في فقرتها الثانية التي يتبين من خلالها أن من بين مداخيل الصندوق عائدات الرسوم شبه الضريبية المحدثة لفائدته بنص تنظيمي يتم تمويلها من طرف الدولة، إضافة إلى عائدات الرسوم شبه الضريبية، وتطبيقا لهذا المقتضى جاء مشروع مرسوم[20] يقضي بإحداث رسم شبه ضريبي يسمى " رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية"، لفائدة صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، إذ ستطبق هذه الضريبة الجديدة في حدود 1% عن مبالغ اﻷقساط والاشتراكات المؤداة برسم جميع عقود التأمين[21]، باستثناء عقود التأمين على الحياة أو المعاشات العمرية المكتتبة من طرف أشخاص ليس لهم موطن ولا إقامة دائمة بالمغرب، وكذا جميع عقود التأمين الأخرى عندما يكون واقعا بالخارج أو مرتبطا بمؤسسة صناعية أو تجارية أو فلاحية تقع بالخارج.
ونحن ندرس صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية كجهة تختص في منح التعويض بالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفرون على عقود التأمين عن الواقعة الكارثية، لا بأس أن نشير إلى صندوق مال الضمان الذي يعتبر مؤسسة ذات صفة اجتماعية للضمان الاحتياطي، يكمن دورها في تحمل حسب شروط معينة وفي نطاق حدود معينة التعويض عن حوادث السير في حالة عدم وجود التأمين بالمعنى العام[22]ن هذه المؤسسة إليها بالأساس عندما يكون مرتكب الحادثة مجهولا، أو يكون معسرا، أو عندما يكون المؤمن نفسه معسرا، وإذا ما قمنا بنوع من المقارنة حول هذين الصندوقين، نجد أن الأضرار التي يشملها تعويض الصندوق ضد الوقاع الكارثية هي العجز البدني الدام للضحية، وكذا فقدان مورد العيش الذي يلحق بذوي حقوق الضحية بسبب وفاتها أو فقدانها، عكس صندوق مال الضمان الذي يستهدف الأضرار التي تمس المصابون بحوادث السيارات في أبدانهم طبقا للفصل الأول من ظهير 22 فبراير 1955 الذي بموجبه تم إحداث هذا الصندوق، لكن القرار الوزاري الصادر في 23/02/1955 المطبق لهذا الظهير أضاف في الفصل الأول منه الأضرار التي تلحق بذوي حقوقهم، وهذا هو ما أكدته المادة 134 من قانون 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، هذا الصندوق لا يمكن الاستفادة من تعويضاته إلا إذا أثبت الضحية أو ذوي حقوقه وجود موطنهم بالمغرب حسب الفصل 6 من القرار الوزاري أعلاه، وهو نفس التوجه الذي نهجه المرع في إطار القانون 110.14 حينما نص صراحة على أن الاستفادة من التعويض يجب أن تنجم أضرار مباشرة في المغرب، أما بالنسبة لنوعية الأضرار التي يغطيها صندوق مال الضمان فإنها حسب مقتضيات الظهير المنظم له هي أضرار بدنية وهو نفس الأمر الذي أكدته المادة 134 من مدونة التأمينات، وهي نفس الأضرار التي يهدف إلى تغطيتها صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية كما سلف أن ذكرنا، أما بالنسبة للضرر المعنوي فالقضاء أقره صراحة ليدخل في نطاق التعويضات التي يقدمها صندوق مال الضمان، إذ بعد تأكيد المجلس الأعلى في قراره عدد 136 الصادر بتاريخ 23/02/1977 في الملف المدني عدد 50004 بأن صندوق مال الضمان لا يتحمل التعويضات المحكوم بها عن الضرر المعنوي، أكد عن تراجعه عن هذا الموقف عندما قضى بأن صندوق مال الضمان مسؤول كذلك عن تغطية الأضرار المعنوية اللاحقة بذوي حقوق الضحية معللا ذلك بأنه إذا كان الفصل الأول من ظهير 22/02/1955 قد نص على الأضرار البدنية، فمفهومها الواسع، فإن الفصل الأول من القرار التطبيقي 23/02/1955، أضاف إلى ذلك تعويض ذوي الحقوق بمفهوم الإطلاق دون تمييز بين من لحقهم ضرر مادي أو معنوي، وهو نفس الشي الذي صار عليه الاجتهاد القضائي عندما أقر بوجوب تحمل صندوق مال الضمان الفرنسي جميع عناصر الضرر الجسماني المادية منها والمعنوية، في حالة وفاة الضحية المعنوي اللاحق بذوي الحقوق والضرر المادي المناسب لحرمانهم من الموارد الممنوحة لهم من طرف الضحية، كما أقر بوجوب تحمل الصندوق المذكور الضرر المعنوي الممنوح تعويضه لزوج أو أصول ضحية أصيبت بعاهة خطيرة نتيجة الحادثة[23]، مما يمكننا من القول أن صندوق مال الضمان ذو نجاعة كبيرة في التعويض عن سابقه.
عموما فإحداث صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، سيوفر قروضا وسيساهم في ضمانات الدولة لفائدة شركات التأمين وإعادة التأمين في حالة عدم توفر القدرة الكافية في السوق أو في حالة عجز معيدي التأمين اﻷجانب عن الوفاء بالتزاماتهم و سيمكن هذا الصندوق كما سبق القول، اﻷشخاص الذاتيين غير المتوفرين على تأمين من الحصول على حد أدنى من التعويض عن اﻵثار الناجمة عن حدوث واقعة كارثية طبيعة كانت أو بفعل إنساني عنيف.
ثانيا: مساطر الاستفادة من تعويضات الصندوق
بالرغم من المهمة الرئيسية التي أسندت لصندوق التضامن في تغطية الكوارث الناتجة عن العوامل الطبيعية الخطيرة والمفاجئة، والفعل العنيف الذي يكون ذات طبيعية إرهابية أو على شكل فتن أو اضطرابات شعبية عندما تشكل خطورة بالنسبة للعموم، فإنه لا يمكن اﻹستفادة من تعويضات على هذه الوقائع مباشرة، بل اﻷمر معلق على مجموعة من الإجراءات، تبتدئ بتقديم طلب كتابي من طرف الضحية المقيد في سجل تعداد ضحايا الوقائع الكارثية أو ذوي حقوقها إلى صندوق التضامن بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، أو يودع في مقر الصندوق مقابل وصل، كما يمكن كذلك إرساله بأية وسيلة من وسائل الاتصال عن بعد التي يضعها الصندوق رهن إشارة الطالب[24]، هذا الطلب يكون مرفوقا بمجموعة من الوثائق سواء تعلق الأمر بحالة العجز البدني الدائم للضحية[25]، أو تعلق بحالة وفاة الضحية أو في حالة شخص مفقود، وكذا حالة فقدان المسكن الرئيسي أو فقدان الانتفاع به[26]، من خلال هذه الحالة الأخيرة قد يتبادر إلى أذهاننا نوعية المحلات التي تدخل في نطاق التعويض؟ باستقرائنا لمقتضيات القانون 110.14 وبالأخص الفقرة الأخيرة من المادة الثانية فإنه يفهم أن المحلات التي يهمها التعويض هي المعدة للسكن، مما يعني استبعاد تلك المخصصة للأنشطة التجارية.
يقوم صندوق التضامن بدراسة طلب التعويض ويدعو عند اﻹقتضاء المعني باﻷمر إلى إتمام البيانات التي تم إغفالها أو اﻹدلاء بالوثائق الناقصة، ويبت بشأن قبول هذا الطلب أو عدم القبول بتبليغ المعني باﻷمر بذلك داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ التوصل بالطلب والوثائق المرفقة به، وفي حالة عدم تبليغ قرار عدم قبول هذا الطلب داخل اﻷجل السالف الذكر، يعتبر طلب التعويض مقبولا إلى حين البت النهائي في ملف التعويض وعندما يكون طلب التعويض مقبولا يمكن منح تسبيق على التعويض للأشخاص الذين أصيبوا بضرر بدني أو ذوي حقوقهم، لكن إذا ما كان هذا المقتضى يحتسب للمشرع فما فائدة التنصيص عليه، علما أنه نص مرة أخرى في المادة 52 من القانون 110.14 على أنه يجب إرجاع كل مبلغ تم الحصول عليه بدون وجه حق برسم إحدى التعويضات المنصوص عليها في هذا القسم إلى صندوق التضامن، كما أعطى لهذا الأخير من نفس المادة القيام بإجراءات الحجز التحفظي على أموال الأشخاص الذين حصلوا على التعويضات المذكورة بدون حق، لكن في حالة ما إذا لم توجد هناك أموال قابلة للحجز التحفظي هل يمكن للصندوق أن يلجأ إلى إجراءات أخرى كالإكراه البدني مثلا، وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه المشرع في هذا الصدد.
ويتم حساب تعويض الضحية أو ذوي حقوقها على أساس رأس المال المعتمد الجاري به العمل كما هو محدد في الجدول الملحق بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون يتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك[27]، وكان حريا بالمشرع أن يضع نظاما خاصا لتعويض ضحايا الوقائع الكارثية نظرا لما تسببه من خسائر جسيمة وخطورة شديدة للعموم نهيك عن اﻷضرار النفسية التي تبقى عالقة في أذهان المصابين وذويهم، دون أن يقوم بالإحالة إلى مقتضيات هذا الظهير، وهو ما نستغرب له إذ كيف لمقتضيات جديدة جاء بها القانون 110.14 أن تحيل على قانون مر على تطبيقه أزيد من 30 سنة.
بقي أن نشير إلى مسألة في غاية الأهمية وهي تقادم طلب التعويض إذ جاءت المادة 53 في فقرتها الأولى على أنه يتقادم كل طلب أداء التعويضات التي يمنحها صندوق التضامن بمرور سنتين ابتداء من تاريخ نشر القرار الإداري المنصوص عليه في المادة 6 من هذا القانون. وما يلاحظ في هذا المقام هو أن التقادم ضد العواقب الكارثية يتميز بنوع من الخصوصية، لأنه لا يسري أو يتم توقيفه ضد الشخص الذي يوجد في ظروف استحال عليه فيها المطالبة بحقوقه بسبب مانع نتج عن القانون أو عن القوة القاهرة.
الفقرة الثانية: المنازعات المتعلقة بمنح التعويض
إن المشرع المغربي ووعيا منه على أن صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية وهو يباشر مهامه في إطار منح التعويض قد تشوب بينه وبين ضحايا الواقعة الكارثية أو ذوي حقوقهم مجموعة من النزاعات، قام بإحداث لجنة لتسوية تلك النزاعات قبل إقامة أي دعوى قضائية بمقتضى المادة 54 من القانون 110.14، هذه النقطة تحسب للمشرع في هذا الصدد إذ يدل هذا التوجه على ضرورة اللجوء إلى وسائل بديلة عن القضاء بهدف تسوية النزاع الحاصل بأقل الأضرار، وهذا ما تم تأكيده في المادة 62 التي جاء فيها أنه لا يمكن الطعن في قرارات صندوق التضامن أمام القضاء، إلا بعد استنفاد مسطرة الطعن أمام لجنة التسوية وذلك تحت طائلة عدم القبول، التي جعل المشرع قرارها ملزما لأطراف النزاع يتم تبليغه إلى الأطراف عن طريق إجراء غير قضائي، ولا يمكن الطعن في هذا القرار إلا في حالة واحدة وهي حالة خرق القانون إذ في هذه الحالة يقدم الطعن أمام محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط وفق الشكليات وضمن الآجال العادية[28]، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إسرار المشرع على جعل هذه النزاعات يتم تسويتها بعيدا عن القضاء، وهو ما نتفق معه إذ لا يمكن أن يكون الهدف هو تغطية الأضرار التي لحقت ضحايا هذه الوقائع الكارثية، وفي نفس الوقت نعرضهم لسلوك مجموعة من الإجراءات القضائية المكلفة في حالة وقوع نزاع في هذا الصدد.
وتجدر الإشارة إلى نقطة مهمة أشرنا إليها سابقا ألا وهي أن هذا التعويض يكون مؤسسا على أساس التضامن من طرف الدولة، وليس على أساس جبر الضرر كما هو متعارف عليه وفق القواعد العامة، وهو الأمر الذي أكده قضاء المجلس الأعلى من خلال أول إجتهاد له أقر فيه مبدأ التضامن الوطني، كان ذلك من خلال القرار المبدئي الصادر عن المجلس الأعلى سابقا، ويتعلق بقضية السيدة "أنطونيا كويباس" التي راحت ضحية الهجمات اﻹرهابية التي عرفها فندق إيسلي بمراكش بتاريخ 24/08/1994، فتقدم زوجها أصالة عن نفسه ونيابة عن أبنائه القاصرين بمقال افتتاحي يحمل فيه المسؤولية للفندق المذكور وللدولة المغربية عن فقدان المتوفية أنطونيا نتيجة تقصيرهما في حماية زوجته، فأقر المجلس الأعلى بعد استئناف الحكم الابتدائي بمسؤوليتهما، وهكذا جاء في إحدى حيثياته ما يلي:" حيث إن الدولة لا تسأل عن ضمان و سلامة أي متضرر فوق أراضيها بصورة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم...، وذلك بالنظر إلى ظروف النازلة وإلى طول الحدود ووعورة تضاريسها، غير أنه استجابة لقواعد العدالة واﻹنصاف، ولموجبات اﻹنسانية المبنية على التضامن الوطني الذي تتكفل به دول المعمور بموجبه- وعلى سبيل اﻹسعاف والمساعدة وفي حدود اﻹمكان- بصرف تعويضات لكل متضرر، كلما وقع مس خطير بالنظام اﻷمني العام عن طريق اعتداء إرهابي ذي طابع عبر وطني.. وهو ما يبرر تعويض ذوي حقوق الضحية في النازلة[29]، وسيرا على نفس النهج نجد بأن محكمة النقض أقرت مسؤولية الدولة عن اﻷضرار الناتجة عن أعمال الشغب واﻹحراق والنهب، واعتبرت المسؤولية قائمة في حق الدولة بدون خطأ، مع حقها في الرجوع على المتسبب في الضرر، وهذا ما ذهبت إليه الغرفة اﻹدارية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 4 بتاريخ 8 يناير 2015 والذي جاء فيه " من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن اﻷضرار الناتجة عن أعمال الشغب التي تقوم بها جماعات تحركها قناعات وخلفيات مشتركة... من أجل تحقيق أهداف وغايات تروم ضرب استقرار الدولة وزرع القلاقل فيها والمساس بأمنها، تسأل عنها الدولة في إطار التضامن الوطني بصرف النظر عن قيام الخطأ في جانب مرفق اﻷمن من عدمه".[30]
إذا كان هذا بشأن التشريع الوطني فماذا عن باقي التشريعات المقارنة؟ هذا ما سيأتي الحديث عنه في إطار المطلب الثاني.
المطلب الثاني: التعويض عن الواقعة الكارثية في التشريع المقارن
نظرا لتزايد الكوارث الطييعية والبشرية خاصة اﻹرهابية منها في اﻵونة اﻷخيرة، أصبح من اللازم وضع نظام لتعويض ضحايا هذه الكوارث، وهو فعلا ما استجابات له العديد من الدول ومنها التشريع المغربي كما سبق ذكره، وعلى نفس المنوال سارت عليه التشريعات العربية ونخص بالذكر التجربة الجزائرية (الفقرة اﻷولى)، وكذا التشريعات الغربية ( الفقرة الثانية) وإن كانت هي السباقة إلى إقراره.
الفقرة الأولى: آليات التعويض في التجربة الجزائرية
تعد التجربة الجزائرية من أبرز التجارب العربية التي اهتمت بموضوع الكوارث من خلال دخولها في مسلسل من اﻹصلاحات لمواجهة هذه الظواهر عبر إصدار سلسلة من النصوص التي تكفل حقوق ضحايا هذه العواقب، وقبل الحديث عن آليات التعويض عن عواقب الكوارث في التشريع الجزائري، وجبت اﻹشارة إلى أن التأمين على الكوارث وباﻷخص الطبيعية منها، أصبح إلزامي بمقتضى اﻷمر [31]12.03، الذي نص في مادته اﻷولى على أنه "يتعين على كل مالك لملك عقاري مبني يقع في الجزائر، شخصا طبيعيا كان أو معنويا ما عدا الدولة، أن يكتتب عقد التأمين على اﻷضرار يضمن هذا الملك من آثار الكوارث الطبيعية"[32] هذه اﻹلزامية التي جاء بها المشرع الجزائري كانت نتيجة لتعرض الجزائر لكوارث طبيعية متتالية بداية من فيضانات باب الوادي في 2001 وزلزال بومرداس في 2003[33].
وقد أحسن صنعا لما أولى اهتمامه لهذه الكوارث مبكرا، عكس المشرع المغربي الذي تأخر نوعا ما في هذا المجال، إذ لم تأتي إجبارية التأمين ضد العواقب الكارثية إلا بمقتضى القانون رقم 110.14.
وعلى غرار صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية الذي أوجده المشرع المغربي لتعويض ضحايا هذه الوقائع الذين لا يتوفرون على تغطية كما عبرنا عنها سابقاً، فإن المشرع الجزائري بدوره قام بإنشاء صندوق الكوارث الطبيعية واﻷخطار التكنولوجية الكبرى، تخصص نفقاته لتعويض ضحايا الكوارث الطبيعية[34]، إذ يتدخل هذا الصندوق في تعويض اﻷضرار الجسدية منها والمادية في حدود النسبة المئوية التي تقترحها اللجنة الوطنية[35]، غير أنه في حالة ما إذا كانت الضحية مؤمنة، فإن مبلغ التعويض لا يمكن جمعه مع مبلغ تعويض التأمين[36].
ومادام أن الواقعة الكارثية لا تقتصر على اﻷسباب الطبيعية بل توجد إلى جانبها الكوارث البشرية كاﻷعمال اﻹرهابية، في هذا الصدد نشير إلى أن المشرع الجزائري، منذ أن مرت الدولة بعشرية سوداء إبان فترة التسعينات عقب توقيف المسار الانتخابي لسنة 1991، تعاطى مع اﻹرهاب من خلال الدخول في مسلسل اﻹصلاحات لمواجهة الظاهرة، من أبرزها تعويض الضحايا، وهو ما أفضى إلى إصدار سلسلة من النصوص التي تكفل حقوق ضحايا الجريمة اﻹرهابية، من بين هذه النصوص نجد المرسوم التنفيذي رقم 94.91 الصادر في 10 أبريل 1994 الذي يحدد كيفية تعويض ضحايا أعمال اﻹرهاب وشروطه وسير صندوق التعويض، إضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 99.47 المؤرخ في 13 فبراير 1999 والمتعلق بمنح تعويضات لصالح اﻷشخاص الطبيعيين ضحايا اﻷضرار الجسدية أو المادية التي لحقت بهم نتيجة أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار مكافحة اﻹرهاب، وكذا لصالح ذوي حقوقهم[37].
هذا فيما يخص التجربة الجزائرية في مجال التأمين والتعويض عن الوقائع الكارثية سواء كانت طبيعية أو بشرية.
الفقرة الثانية: آليات التعويض في التجارب الغربية
لقد قامت التشريعات الغربية بوضع استراتيجيات للوقاية من أضرار الكوارث، وفي هذا المنحى نجد المشرع الفرنسي وضع قواعد لحماية ضحايا الكوارث (أولا)، كما أن الأمر لم يقتصر على التجربة الفرنسية، إذ نجد العديد من التشريعات الأخرى المتقدمة خصت ترسانتها القانونية بتنظيم محكم للوقاية من أضرار هاته الكوارث كالتجربة الإيطالية والإسبانية (ثانيا).
أولا: التعويض عن الكوارث في النموذج الفرنسي
لقد خص المشرع الفرنسي التعويض عن الكوارث باهتمام منقطع النظير خصوصا في الشق المتعلق بحماية ضحايا الجريمة اﻹرهابية، هكذا أنشأ صندوق الضمان الذي يقوم بالعديد من المهام ويقدم التعويضات في حالات مختلفة، فهو يلتزم بتعويض العديد من الفئات بما فيهم ضحايا اﻹرهاب أوغيره من الجرائم[38] التي ترتكب داخل أو خارج اﻷراضي الفرنسية ويكون المتضرر فرنسيا أو أجنبيا[39] إذا وقع الحادث في اﻷراضي الفرنسية، وللفرنسيين إذا أصيبوا نتيجة أعمال إرهابية خارج اﻷراضي الفرنسية، وفي هذه الحوادث يجوز رفض التعويض أو تخفيضه إذا ثبت إهمال المتضرر[40]. كما يعوض الصندوق أيضا ضحايا الحوادث الناجمة عن الكوارث التكنولوجية[41]. واﻷساس الذي يقوم عليه مبدأ التعويض من الصندوق لا يستند إلى أحكام المسؤولية المدنية، وإنما على اعتبارات التضامن اﻹجتماعي أو الضمان، ومن ثم فإن المبالغ التي يمنحها الصندوق لا تعد تعويضا حقيقيا إنما هي من قبيل المساعدة التي تقدمها الدولة تعبيرا منها على واجب التكافل.
ورغم أن هذه المبالغ لا تعد تعويضا حقيقيا إلا أن تقديرها يتم وفقا لقواعد التعويض لجميع عناصر الضرر الجسدي، ولا يقتصر التعويض عن اﻷضرار المحققة وإنما يشمل اﻷضرار المستقبلية المحققة الوقوع، وإذا كان الحادث ناجم عن عمل إرهابي وأدى إلى وفاة الشخص فيحق للورثة ومن كان يعولهم الضحية بصفة مستمرة أثناء حياته مطالبة الصندوق بالتعويض لما أصابه من ضرر نتيجة وفاة مورثهم أو معيلهم[42] وإذا أمكن معرفة المسؤول عن الضرر فإن الصندوق يحل محل المتضرر في الرجوع على المسؤول[43].
ثانيا: التعويض عن الكوارث في التجربة الإيطالية والإسبانية
إضافة إلى التجربة الفرنسية ، فهناك العديد من التشريعات الدولية المتقدمة أصدرت قوانين خاصة تلزم تعويض ضحايا الإرهاب، أمام عجز أحكام النصوص العامة، وعمل على ابتداع أسلوب الصناديق الخاصة كآليات للتعويض من بينها التجربة الايطالية، إذ طور المشرع الايطالي المقتضيات التشريعية مع تغير نوع الخطر والجريمة الارهابية، وأصدر عدة تشريعات تحدد أشكال خاصة لحماية ودعم الضحايا من الجرائم الارهابية كالقانون رقم 302 الصادر في 20/10/1990، وقانون رقم 407 المتضمن لأشكال جديدة لفائدة ضحايا الإرهاب الصادر في 23 نونبر1998، وقانون فاتح غشت[44]2003 ،هذا القانون في مادته السادسة أحدث صندوقا لدعم ضحايا الأفعال الاجرامية بما فيها ضحايا الارهاب ، كما نص على إحداث لجنة لمساعدة و دعم ضحايا الإرهاب تحت رئاسة وزير العدل[45].
وبالرجوع للتجربة الإسبانية ، نجد أن التشريع الاسباني أعطى أهمية كبرى لدعم وتعويض ضحايا الإرهاب و ذلك بإحداث القانون رقم 9 سنة [46]1984 ، الذي تضمن قواعد تكفل تعويض ضحايا الجرم الارهابي ، وتم تحيين هذا القانون ، وصولا الى القانون 2011/29 [47]، والذي كانت الغاية منه جبر الضرر ووضع إطار لتعويضهم، هم وعائلاتهم والاشخاص الذين تعرضوا لأضرار ناجمة عن أفعال إرهابية، وقد ميز هدا القانون بين التعويضات المستحقة للأشخاص التي نصت عليه المادة22 والتعويضات المادية التي أكدت عليها المادة 23 .
وقد شملت مقتضيات هذا النص القانوني حتى الاجانب ضحايا الأفعال الارهابية .
النموذج الإسباني لم يقتصر فقط على الحل التشريعي بل تم إحداث مديرية عامة لدعم ضحايا الإرهاب بوزارة الداخلية ، أنيط بها تقديم المساعدة الفورية للمتضررين بعد ارتكاب الاعتداء الارهابي عن طريق إعلام الضحايا و أسرهم و دعمهم[48].
خاتمة:
بالرغم مما يقدمه نظام التأمين ضد أضرار الكوارث بوجه عام، والتأمين الإلزامي منه على وجه الخصوص من مزايا تكفل للمتضرر الحصول على التعويض وتجنبه مخاطر مجهولية المسؤول أو إعساره بسبب محدودية موارد هذا الأخير، إلا أن ارتفاع عدد المتضررين وضخامة الأضرار الناشئة عن الكوارث خاصة الطبيعية منها، كثيرا ما يثير إشكالات خاصة عندما يكون الضحايا بدون عقود تغطية من هذه الوقائع، الشيء الذي جعل التشريعات الحديثة تتجه إلى تكملة ذلك القصور عن طريق إحداث نظام صناديق التعويض ومنها المشرع المغربي الذي جاء بصندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، إلا وأنه رغم أهمية هذا الصندوق إلا أن التأخر في تفعيل مقتضياته خلف مجموعة من الإشكالات في مقدمتها حرمان ضحايا الكوارث التي تعرضت لها المملكة في السنوات الأخيرة من الإستفاذة من التعويضات التي يقدمها هذا الصندوق.
ومنه يستدعي الأمر تضمين بعض المقترحات لتفعيل أمثل لهذه المقتضيات منها:
- يجب جعل هذا التعويض يتأسس على أساس جبر الضرر وليس على مبدأ التضامن؛
- تفعيل نظام صندوق في أقرب وقت؛
- النص صراحة على شمول التعويض للأضرار المعنوية؛
- تحديد نوعية المحلات التي يشملها التعويض في حالة فقدان الانتفاع بالمسكن مع تمديد الاستفادة إلى المحلات التجارية؛
- رغم ظروف الدولة المغربية على المشرع توسيع نطاق التعويض ضد الوقائع الكارثية ليشمل الأضرار التي يتعرض لها المواطنين الحاملين للجنسية المغربية في الخارج مستقبلاً.
تعليقات
إرسال تعليق