التأمين على الحياة و إشكالاته العملية
يقوم التأمين بمهمة تغطية الأخطار التي تتعرض لها الممتلكات والثروات، كما يعمل على استمرارية المنشآت الاقتصادية وممارسة عملها والمحافظة على رؤوس الأموال، وقد امتدت عملية التأمين لتغطي جميع قطاعات المجتمع المختلفة، مثل الصناعة، الزراعة، السياحة، التجارة.... وتبعا لذلك فقد أصبح عقد التأمين من أكثر العقود التجارية انتشارا في الوقت الحاضر، وأصبحت شركات التأمين من أكبر الشركات وأضخمها في الاقتصاديات الحديثة، تُساهم بدور كبير في تنشيط الاقتصاد الوطني، إما بشكل مباشر عن طريق الاستثمارات التي تقوم بها، أو بشكل غير مباشر عن طريق تشجيع التجارة والاستثمار بتوفيرها غطاء للمستثمرين من المخاطر التي تهددهم. وقد أدى انتشار التأمين وتغلغُله في مختلف مناحي الحياة إلى تعدد صوره وأنواعه، نجد من بينها التأمين البري الذي ينبثق عنه التأمين على الأضرار من جهة، والتأمين على الأشخاص من جهة أخرى، هذا الأخير الذي يدخل ضمنه التأمين على الحياة كأبرز نوع من أنواعه. فالتأمين على الحياة كما عرفته المادة الأولى من القانون 17.99 بمثابة مدونة التأمينات هو: "عقد يضمن المؤمن بمقتضاه تعويضات يتوقف تسديدها على بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو وفاته وذلك مقابل دفعات مالية تسدد مرة واحدة أو بصفة دورية". وقد ظهر هذا النوع من التأمينات في أواخر القرن 19، إذ كان في بدايته مرفوضا من قبل معظم الدول وكان يُنظر إليه آنذاك بأنه مجرد عملية مضاربة على حياة الإنسان مما جعل معظم الدول قبل القرن 19 تمنع العمل به، لكن بالنسبة للمغرب فإنه لم يَعرف التنظيم القانوني له إلا من خلال القانون 17.99 بمثابة مدونة التأمينات الصادرة بتاريخ 3 أكتوبر 2002، حيث نظمه من خلال الباب الثاني من القسم الثالث من هذه المدونة. وللتأمين على الحياة أهمية كبيرة، فهو إلى جانب دوره الطبيعي في توفير الأمان والحيطة للمستقبل، يقوم بدور آخر هام هو تشجيع الادخار وتكوين رؤوس الأموال، بما يعود بالخير على المدخرين وعلى الاقتصاد القومي بوجه عام، بالإضافة إلى دوره في تنشيط عمليات الائتمان في مجال القروض الاستهلاكية حيث يشكل ضمانة للمقرض في استيفاء حقه من التعويض الذي تدفعه شركة التأمين، كما يتميز كذلك بكونه ذا طابع جزافي وليست له الصفة التعويضية. انطلاقا مما سبق، يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تنظيم عقد التأمين على الحياة بما يضمن الحماية القانونية لطرفيه؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية نوردها على الشكل التالي: - أية مشروعية لعقد التأمين على الحياة؟ - أي خصوصية للتأمين على الحياة؟ - أي علاقة للتأمين على الحياة بالقروض الاستهلاكية؟ وقصد الإجابة على الإشكالية المطروحة ومختلف التساؤلات الفرعية، ارتأينا الاعتماد على المنهج التحليلي من أجل تحليل بعض النصوص القانونية، وكذا المنهج المقارن لمقارنة التشريع المغربي بباقي التشريعات الأخرى، وذلك وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: عقد التأمين على الحياة: أحكامه ومميزاته المبحث الثاني: آثار عقد التأمين على الحياة
المبحث الأول: عقد التأمين على الحياة: أحكامه و مميزاته عرفه الأستاذ "عبد العزيز توفيق" بأنه: "عقد يتعهد بمقتضاه المؤمن بأن يدفع للمؤمن له نفسه مبلغا محددا أو راتبا عمريا، إذا بلغ سنا معينة وهو على قيد الحياة، مقابل أقساط يؤديها المؤمن له على قيد حياته أو الفترة المتفق عليها، أو يؤديها للشخص أو للأشخاص الذين يعينهم المؤمن له في عقد التأمين عند وفاته"
المطلب الأول: مشروعية عقد التأمين على الحياة وأركانه الخاصة يُعد عقد التأمين على الحياة من العقود الحديثة التي لم تكن معروفة فيما مضى، فلم يرد فيه نص شرعي، ولم يتعرض الصحابة والأئمة المجتهدين لحكمه، ولمَّا انتشر في هذا العصر بحكم الاتصال بين الشرق والغرب درسه الباحثون والفقهاء واختلفوا في حكمه (الفقرة الأولى)، كما أن لهذا النوع من التأمين أركان خاصة به، تضاف للأركان العامة لكل عقد (الفقرة الثانية).
أولا: الاتجاه المؤيد للتأمين على الحياة
يرى هذا الاتجاه أن عقد التأمين عامة ـ ومنه عقد التأمين على الحياة ـ لا يمكن أن يُقاس على غيره من العقود التي كانت معروفة في صدر الإسلام والتي أفتى الفقهاء المتقدمون بتحريمها لما فيها من غرر أو ربا، ولأن العقود المعروفة في العصر الإسلامي ليست حصرية، وإنما يمكن للمسلمين أن يعقدوا ما شاءوا من العقود بشرط أن تكون في روحها موافقة لأحكام الشرع الإسلامي، وبذلك فإنهم يقبلون أي عقد من غير العقود المعروفة بشرط أن يكون خاليا مما يجعله محرما. وفي ذلك يقول الدكتور السنهوري: "ومن ثم فإن ما ذكره الفقهاء من العقود المسماة، إنما هي العقود التي يغلب أن يقع بها التعامل في زمنهم، فإذا استحدثت الحضارة عقودا أخرى توافرت فيها الشروط المقررة فقها، كانت عقودا مشروعة ويؤخذ من ذلك أن عقد التأمين لا يجوز القول بعدم مشروعيته من ناحية أنه عقد جديد غير معروف في الفقه الإسلامي. وإنما قد يتوهم أن يُنسب إليه عدم المشروعية من ناحية الربا أو من ناحية الغرر، وقد سبق أن نفينا عنه كلا من الناحيتين، فالغرر فيه تطور ملحوظ في الفقه الاسلامي حيث إن الأصل فيه حسب مذهب الامام مالك أن من الغرر ما يجوز لموضع الضرورة، أما الربا فهذه مسألة لا تقتصر على عقد التأمين بحيث أنه غير جائز إلا للحاجة، فإذا قامت الحاجة في نظام اقتصادي معين إلى دفع فوائد معتدلة على رؤوس الأموال كان هذا جائزا ما دامت الحاجة قائمة". نلاحظ أن هذا الاتجاه يبني موقفه على أساس كون عقد التأمين على الحياة من العقود المستجدة في العصر الحديث، ولا يمكن أن يقاس على العقود التي كانت معروفة لدى الفقهاء المسلمين.
ثانيا: الاتجاه المعارض للتأمين على الحياة
يرى هذا الاتجاه أن التأمين على الحياة غير جائز لما فيه من الغرر والربا، وقد حرم الله ـ عز وجل ـ جميع المعاملات الربوية والمعاملات التي فيها الغرر رحمة للأمة وحماية لها مما يضرها. وعليه، فقد اعتبروا أن التأمين مبني على أساس غير شرعي، ويشتمل على محاذير شرعية كثيرة منها: 1) أن عقد التأمين يشتمل على غَرَر فاحش: لأن ما يرد إلى الأول في مقابل ما دفع، وما يدفع الثاني في مقابل ما أخذ غير معلوم في وقت العقد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر. 2) أن العقد يشتمل على نوع من المقامرة: لما فيه من مخاطرة مالية، فقد يستفيد أحد الطرفين بلا مقابل أو بلا مكافئ، وقد يتضرر بدون خطأ ارتكبه أو تسبب فيه؛ وهذا يدخل في الميسر الذي حرَّمه الله تعالى حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ 3) في عقد التأمين أكل لأموال الناس بالباطل: لأن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}؛ 4) فيه إلزام بما لا يلزم شرعاً: فإن المؤمن لا يُحدث خطراً أو لا يقوم بأي خدمة، سوى التعاقد مع المؤمن له على ضمان الخطر -على تقدير وقوعه- مقابل مبلغ يأخذه من المؤمن له، فيصبح حراماً، كما أن هذا العقد لا يخلو من الربا في حال تأخير السداد؛ 5) أن التأمين عقد ربوي، ويظهر فيه الربا في أمور ثلاثة: أ- أن المؤمن له يدفع مالاً ليحصل على مال أكثر منه -في حال وقوع حادث أو كارثة- دون سلعة أو منفعة، وهذا هو عين الربا الذي هو معاوضة مال بمال وزيادة؛ ب- أن شركات التأمين تستثمر أموال المؤمن لهم بالربا، وذلك بإقراضها للبنوك الربوية بالفوائد المجمع على تحريمها، إذ تقوم شركات التأمين بوضع أموال العملاء في البنوك الربوية، وتأخذ عليها الفوائد المحرمة، التي تأخذ بعضها وتدفع للمؤمن له بعضها إن حدث له حادث وهذا ما يفسر الفارق الكبير بين ما يدفعه المؤمن له وبين ما يأخذه؛ ج- أن شركات التأمين تأخذ فوائد ربوية على المؤمن له في حال تأخره في السداد. نلاحظ أن هذا الاتجاه يرى أن التأمين على الحياة ينبني على أساس غير شرعي، كما يشتمل على محاذير شرعية كثيرة، وبالتالي فإنهم يعتبرونه غير جائز. إلا أن المشرع المغربي قد أجاز هذا التأمين، ونرى أنه لا ضرر من إباحته نظرا لكونه ضرورة اجتماعية حتمتها الظروف الاقتصادية من أجل ضمان استقرار أوضاع أسر المؤمن لهم.
الفقرة الثانية: أركان عقد التأمين على الحياة
إن عقد التأمين على الحياة يخضع للقواعد العامة المنظمة للعقود، حيث يشترط فيه تحقق أركان العقد من أهلية ورضى والسبب والمحل، بالإضافة إلى أركان خاصة تتمثل في أطراف علاقة التأمين على الحياة (أولا)، وعناصر التأمين على الحياة، من قسط وخطر ومبلغ التأمين (ثانيا). أولا :أطراف علاقة التأمين على الحياة يُعتبر التأمين على الحياة عملية ذات أطراف متعددة، لذلك فإنه سيتم التطرق للمؤمن ووسطائه (1)، ثم للمؤمن له (2). 1ـ المؤمن ووسطاؤه لا يعتبر مؤمنا في القانون المغربي إلا المقاولة المعتمدة للقيام بعمليات التأمين، والمؤمن هو الذي يباشر عمليات التأمين، وغالبا ما يتخذ شكل شركة مساهمة لها شخصية قانونية تقوم بجمع الأقساط من المتعاقدين معا وتتحمل عبء الأخطار التي تحدق بهم. ولكي يتأتى اعتماد مقاولة لغرض القيام بعمليات التأمين لابد من استطلاع رأي الهيئة الاستشارية للتأمينات وأن تتخذ أحد الشكلين التاليين: أ- شركة المساهمة ب ـ الشركات التعاضدية :يجب على هذه الشركات أن تثبت توفرها على عدد من الشركاء، لا يقل عن عشرة ألاف شخص، ولا ينطبق هذا الشرط إلا على الشركات التعاضدية التي تلتزم ومن خلال نظامها الأساسي، بالانخراط في اتحاد التعاضديات. وما تجدر الإشارة إليه أن هذه الشركات لا يسمح لها بممارسة التأمين، إلا إذا كان مقرها الاجتماعي بالمغرب وحصلت على موافقة الهيئة الاستشارية للتأمينات. ويكون الهدف من هذه الشركات هو التضامن وليس الربح، والملاحظ أن هذه الشركات التعاضدية تتميز باختلاط شخص المؤمن والمؤمن له، عكس شركات المساهمة التي ينفرد فيها المؤمن بشخصيته المستقلة. ج- وكلاء التأمين: لقد عرف المشرع المغربي وكيل التأمين في المادة 292 من مدونة التأمينات بأنه: "وكيل التأمين هو الشخص المخول له من طرف مقاولة التأمين وإعادة التأمين، ليكون وكيلا عنها، ليعرض على العموم العمليات المنصوص عليها في المادتين 159 و 169 من هذا القانون". وقد عرفهم الفقه بأنهم الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريون الذين تخول لهم مقاولات التأمين سلطة إبرام عقود التأمين بالنيابة عنها. وبذلك فيعتبر وكلاء التأمين وسطاء يقومون بمهمة حرة ويمثلون شركة التأمين بعد حصولهم على اعتماد، وذلك عن طريق الوكالة، تربط بينهم وبين شركة التأمين، وغالبا ما تلجأ شركات التأمين إلى وكلاء التأمين للوصول إلى الجمهور. وجدير بالذكر أنه يمكن لوكيل التأمين تمثيل مقاولتين للتأمين وإعادة التأمين على الأكثر، شريطة أن يحصل على موافقة المقاولة التي أبرم معها أول اتفاق تعيين، وفي حالة كون وكيل التأمين شركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة يتعين تمثيلها بشخص طبيعي يستوفي الشروط المنصوص عليها في المادة 304 من مدونة التأمينات . د- شركة سمسرة التأمين: تُعتبر شركة ممثلة لزبنائها لدى مقاولة التأمين وإعادة التأمين، وكذلك مُمثلة لمقاولة التأمين وإعادة التأمين عندما تقوم ـ شركة السمسرةـ بتحصيل أقساط التأمين لفائدتها، بعد الترخيص بذلك، وقد أوجب المشرع المغربي أن تكون شركة السمسرة شركة مساهمة أو شركة ذات مسؤولية محدودة، وفي كلتا الحالتين يتعين تعيين مسؤول طبيعي عنها. وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 405 من مدونة التجارة، نجدها عرفت عقد السمسرة بأنه: "السمسرة عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط علاقة بينهما قصد ابرام عقد". وجدير بالذكر أن السمسار بحكم مهنته يعد تاجرا، ومن الآثار القانونية المهمة التي تترتب عن الطبيعة التجارية لعقد السمسرة والتي نرى فائدة في الاشارة إليها ضمن هذه النقطة هي التزام السمسار بالقيد في السجل التجاري. 2 ـ المؤمن له إذا كان المشرع المغربي قد اعتمد مصطلح المؤمن له، فإنه مع ذلك فرق بين ثلاث مصطلحات: أ ـ المكتتب أو المتعاقد: عرفه المشرع في المادة الأولى من مدونة التأمينات بأنه: "شخص معنوي أو طبيعي يبرم عقد تأمين لحسابه أو لحساب الغير ويلزم بموجبه تجاه المؤمن بتسديد قسط التأمين". وقد يكون المكتتب لعقد التأمين غير المؤمن له وقد يكون شخصا طبيعيا وقد يكون شخصا معنويا، ويُعتبر المكتتب كذلك طالب التأمين، والمكتتب لعقد التأمين يلتزم بدفع الاقساط، والتزامه بذلك قد يكون اختياريا كما لو أمن شخص (X) على حياة أبيه لمصلحة أخته، فيكون الابن هو المكتتب ويكون الأب هو المؤمن له وتكون الأخت هي المستفيدة، وقد يكون التزام المكتتب بدفع اقساط التأمين إجبارية كما هو الحال في القوانين التي تلزم رب العمل بدفع مبالغ الأقساط لصالح عماله. ب ـ المستفيد: عرفه المشرع المغربي بأنه شخص طبيعي أو معنوي يعينه مكتتب التأمين والذي يحصل على رأس المال أو الايراد المستحق من المؤمن. فعقد التأمين على الحياة غالبا ما يتعلق بحياة أو وفاة المؤمن له، بحيث يعد أفضل نموذج تطبيقي لمسألة الاشتراط لمصلحة الغير طبقا لقواعد الالتزامات والعقود. وعليه فإنه في حالة التأمين على الوفاة فإن المؤمن له يقوم بموجبه باشتراط العقد لمصلحة الغير الذي هو المستفيد من مبلغ التأمين والمستفيد هو الشخص الذي قام المؤمن له بالاشتراط لمصلحته، ويجوز للمؤمن له أن يعين أي شخص مستفيد من عقد التأمين مهما كانت العلاقة والصلة التي تربطه به، فقد يكون الزوج أو الأب أو الابن أو البنت أو العم أو الجد...وغالبا عند قيام المؤمن له بتعيين زوجته أو أصوله أو فروعه كمستفيدين من مبلغ التأمين فإنه يهدف من وراء ذلك ضمان مستقبلهم المادي بعد وفاته. وفي هذا الاطار يثار التساؤل حول احتمالية إضافة الجنين إلى لائحة المستفيدين عند وفاة المؤمن له؟ كجواب على هذا التساؤل المطروح، فقد سبق أن تعرضت لذلك محكمة النقض الفرنسية سنة 1985 حيث اعتبرت أنه إذا كانت شروط تطبيق عقد التأمين عند الوفاة يجب تقديرها في مرحلة تحقق المخاطر، فإن تحديد الأولاد الذين يعيشون في منزل المؤمن له ينبغي أن يتم وفقا للمبادئ العامة للقانون وعلى الخصوص المبدأ الذي بمقتضاه يعتبر الجنين كأنه مولود عندما تكون له مصلحة في ذلك. ج ـ المؤمن له: عرفه المشرع في المادة الأولى من مدونة التأمينات بأنه: "شخص طبيعي أو معنوي يرتكز التأمين عليه أو على مصالحه". والمؤمن له هو الطرف الثاني في عقد التأمين، وهو الشخص المؤمن على حياته من الخطر، فالخطر المؤمن منه يهدد شخصه وهو الطرف الذي يلتزم بدفع مبالغ الأقساط للمؤمن، ويسمى كذلك المؤمن له في نفس الوقت المكتتب للعقد والمؤمن على حياته ومستهلك له، أي المستفيد من العقد في هذه الحالة تتجمع فيه الحالات السابقة الذكر. وعموما فإن هذه الصفات الثلاث عبر عنها بعض الفقه بالطرف الضعيف، وذلك بسبب غياب توازن بين أطراف العلاقة التعاقدية بحكم الظروف الاقتصادية والاجتماعية. ثانيا: عناصر التأمين على الحياة إن عناصر التأمين على الحياة والتي تُستخلص من تعريف عقد التأمين ذاته هي الخطر (1)، والقسط (2)، ومبلغ التأمين(3). 1ـ الخطر: الخطر المؤمن منه أو الخطر أو الحدث المنتظر هو أهم عنصر من عناصر التأمين وهو سبب وجوده وانتشاره، وليس المقصود بالخطر دائما ذلك الحدث الذي يخشى وقوعه ويرجى تخلفه، إنما المقصود بالخطر هو الحدث الذي عقد التأمين من أجل وقوعه، والخطر في التأمين على الحياة يتخذ شكلين: أـ الخطر هو الحياة: الخطر في عقد التأمين على الحياة في حالة البقاء هو حدث سار ومفرح وليس إطلاقا مفهوم الألم والهلاك. إن الشخص الذي يؤمن على حياته في حالة البقاء، إنما الخطر المؤمن منه هو أن يبقى المؤمن له حيا إلى حين انتهاء الأجل المتفق عليه في العقد. كما أن الخطر يُعتبر أمرا احتماليا بحتا، فالاحتمال هنا يكون في بقاء المؤمن له حيا إلى حلول الأجل المتفق عليه، ذلك أن عدم البقاء أي الوفاة هو أمر محقق الوقوع لكن تاريخ وقوعه يبقى أمر مجهول واحتمالي. ب ـ الخطر هو الوفاة: إن الخطر هنا بمفهومه الحقيقي هو بمعنى الحدث الحزين الذي يؤدي إلى الهلاك أي الوفاة ولما كان الخطر هو حدث احتمالي فإن الاحتمال هنا يكمن في تاريخ وقوع الوفاة أي أن تاريخ وقوع الوفاة يبقى أمر غير معروف إلا أنه أمر محقق الوقوع. ويشترط في الخطر أن تتحقق فيه ثلاثة شروط: أـ أن يكون الخطر محتملا وممكن الوقوع: إن أهم ما يميز عقد التأمين هو الاحتمال، احتمال وقوع الحدث المؤمن من أجله، فالحدث قد يقع وقد لا يقع مطلقا، وقد يكون الحدث محقق الوقوع لكن وقت حدوثه غير محقق، كما هو عليه الأمر في التأمين على الحياة في جميع صوره، فالموت محقق الوقوع ولا أحد يجادل في ذلك، ولكن وقت الموت ليس معلوما، فيبقى دائما محتملا من حيث التاريخ. ب- ألا يكون الخطر معلقا على الإرادة المحضة لأحد الطرفين: وهذا الشرط مرتبط بالشرط الأول ذلك أنه إذا كان وقوع الخطر معلقا على إرادة أحد طرفي العقد كان الخطر محقق الوقوع، فإذا أمن شخص على حياته لحالة الوفاة لفائدة شخص معين وقام هذا الأخير بقتل المؤمن على حياته، فإنه لا يستحق مبلغ التأمين الذي يعود لورثة المؤمن على الحياة المقتول وهذا يتفق مع القاعدة الفقهية المعروفة "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه". ج- أن يكون الخطر مشروعا: ومشروعية الخطر هي أن لا يكون مخالفا للنظام العام والآداب العامة كالتأمين على الحياة إذا كان سبب وفاة المؤمن له على حياته تنفيذ عقوبة الإعدام نتيجة جريمة خطيرة ارتكبها المؤمن له وحكم عليه فيها بالإعدام. 2 ـ القسط قسط التأمين هو المقابل المالي الذي يدفعه المؤمن له إلى المؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه، وهو أهم التزامات المؤمن له، ومن مجموعه يتكون رصيد شركات التأمين الذي تغطي منه الأخطار المؤمن منها، والتي قد تقع للمؤمن له، وهو عادة يؤدى كل سنة، وقد يؤدى مرة واحدة عند بداية عقد التأمين إذا كان الخطر المؤمن منه لا يستمر في الزمن مدة طويلة . 3 ـ مبلغ التأمين هو المبلغ الذي يتعهد المؤمن بدفعه للمؤمن له، أو للمستفيد عند تحقق الخطر المؤمن منه أي عند وقوع الحدث الذي كان محل التأمين، كموت المؤمن له أو بقائه حيا بعد مدة معينة في حالة التأمين على الحياة . فمبلغ التأمين هو التزم في ذمة المؤمن وهو مقابل القسط، ويتخذ في جميع أحوال التأمين على الحياة شكل نقود تدفع للمؤمن له أو المستفيد. أما عن حدود مبلغ التأمين، فبصفة عامة في التأمين على الأشخاص لا حدود للمبلغ الذي تتعهد الشركة بدفعه إلا في اتفاق الطرفين، فأي مبلغ اتفق عليه الطرفان تلتزم شركة التأمين بدفعه للمؤمن له أو للمستفيد عند وقوع الخطر المؤمن منه، وهو الموت في حالة التأمين على الحياة أو بقائه حيا وحلول الأجل المتفق عليه في العقد في حالة البقاء. التأمين على الحياة يتميز عن باقي أنواع التأمين الأخرى ببعض المميزات من أهمها حق الرجوع، الذي يعد استثناء من القوة الملزمة للعقد تبناه المشرع لحماية الطرف الضعيف، فمن ذلك سنتحدث عن نطاق تطبيق هذا الحق وآجاله في (الفقرة الأولى)، على أن نتحدث عن شكليات ممارسته وآثاره في (الفقرة الثانية). لقد نظم المشرع المغربي حق الرجوع في المادة 97 من مدونة التأمينات، بحيث جاء فيها ما يلي: "إذا عرض على شخص بمنزله أو بمكان عمله أو بمكان خاص أو عام اكتتاب عقد تأمين على الحياة وتم الاكتتاب أثناء تلك الزيارة، وجب منحه أجلا لا يقل عن خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ اكتتاب العقد لكي يلغي هذا الالتزام".وبذلك فإن ما يميز التأمين على الحياة عن باقي أنواع التأمين هو حق الرجوع، الذي يعد من بين أهم الحقوق التي يمنحها القانون للمستهلك (المؤمن له)، فهو وسيلة بمقتضاها يسمح المشرع لأحد المتعاقدين بأن يعيد النظر من جديد ومن جانب واحد في الالتزام الذي ارتبط به مسبقا، فثمة عقد سبق تكوينه وموقع من قبل الأطراف، لكن أحد الأطراف ـالمستهلك- سوف يستفيد من مهلة تفكير يكون بوسعه الرجوع خلالها عن التزامه الذي سبق وأن وقع عليه. والملاحظ أن المشرع قد مدد الاستفادة من حق الرجوع ليس فقط للتأمين على الحياة الذي يتم من خلال عرض الاكتتاب بالمنزل أو بمحل العمل، وإنما أيضا لجميع حالات الاكتتاب التي تتم بجميع الأمكنة العامة أو الخاصة وذلك لتوسيع مجال الحماية وإضفاء الفعالية عليها، لتشمل مختلف حالات الاكتتاب. إلا أنه –المشرع- حدد حق الرجوع في الحالة التي يعرض فيها على الشخص اكتتاب عقد التأمين على الحياة، وحري به إلغاء صيغة أو مصطلح العرض، لتشمل الحماية حتى الحالات التي يتوجه فيها الشخص بنفسه إلى شركة التأمين ويسعى إليها، وليس فقط تلك الحالة التي يُعرض عليه فيها الاكتتاب. هذا وقد حدد المشرع المغربي الأجل الذي يمكن من خلاله للمؤمن له الرجوع أو إلغاء العقد في خمسة عشر يوما، وهو أجل كامل لا يحتسب فيه اليوم الأول والأخير، يبتدئ من تاريخ اكتتاب العقد، وإذا مرت هذه المدة دون أي تراجع من المؤمن له، يسقط حقه في الرجوع ويصبح العقد نهائيا لا رجعة فيه. أما المشرع الجزائري فقد نص على وجوب التراجع عن العقد خلال ثلاثين يوما ابتداء من الدفع الأول للقسط، وذلك في المادة 90 مكرر من الأمر 95ـ07 المتعلق بالتأمينات. والقانون الفرنسي كان ينص على بداية حساب الأجل (30 يوما) ابتداء من الدفع الأول للقسط، لكن عند تعديل قانون التأمينات الفرنسي في سنة 2005 تم تعديل تاريخ بداية سريان حساب أجل مدة التراجع عن العقد، فنص على أن يتم احتسابها إما من تاريخ إعلام المكتتب أن العقد قد أبرم، أو من تاريخ تلقي الشخص المعني للشروط والمعلومات التعاقدية. ويثار التساؤل حول امكانية تمديد هذا الأجل بالاتفاق؟ بالرجوع للمادة 3 من مدونة التأمينات نجدها تنص على أن: "لا يمكن تغيير مقتضيات هذا الكتاب بموجب اتفاق، باستثناء تلك التي تمنح للأطراف حرية التعاقد والواردة في المواد 9 و15 و16 و32 و40 و43 و44 و45 و47 و49 و51 و52 و56 و61 و63 و64 و67 و77 و81 و83 و84 من هذا القانون"، بمفهوم المخالفة أنه لا يمكن الاتفاق على تمديد أجل حق الرجوع التي جاءت بها المادة 97، بمعنى أنه ما دام لا يمكن الاتفاق على تعديل مقتضيات هذه المادة فإنها تدخل ضمن اعتبارات النظام العام. وما يمكن ملاحظته، أن المشرع المغربي حدد نطاق تطبيق حق الرجوع في التأمين على الحياة فقط دون التأمينات الأخرى، بخلاف المشرع الجزائري الذي وسع من نطاقه ليشمل التأمينات على الاشخاص بوجه عام في المادة 90 مكرر من الأمر 95ـ07 المتعلق بالتأمينات، وكذلك التشريع البلجيكي في مادته الرابعة من القانون المتضمن لعقد التأمين البري التي نصت على حق التراجع في كل عقود التأمين البرية دون التفرقة بين التأمين على الأشخاص والتأمين على الأضرار. لم يتول المشرع المغربي كيفية ممارسة حق الرجوع بالتنظيم، الأمر الذي يجعل -من وجهة نظر الأستاذ محمد الهيني- أي شكل وأية طريقة لتبليغ قرار العدول إلى المؤمن مقبولة قانونا، وهذا ما يتوافق أيضا مع ما تقضي به المادة 8 من مدونة التأمينات، وذلك بقياس شكل طلب صلاحية فسخ العقد على شكل حق الرجوع الذي يتم إما بتصريح يتم بالمقر الاجتماعي للمؤمن مقابل وصل، وإما بمحرر غير قضائي، وإما برسالة مضمونة، وإما بأي وسيلة أخرى مشار إليها في العقد، ولا يمكن ممارسته من خلال إقامة دعوى قضائية. هذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي حدد كيفية ممارسة هذا الحق، حيث اشترط توجيه رسالة مضمونة بالنسبة للتأمين على الحياة أو النموذج القابل للانفصال بالنسبة للقرض الاستهلاكي أو البيع في محل الاقامة، كما أن القضاء الفرنسي لم يتردد في قبول أية وسيلة أخرى. والجدير بالذكر، أنه يترتب عن الرجوع أو إلغاء العقد، إرجاع المبالغ والأقساط التي تكون قد دفعت من طرف المكتتب، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 97 من مدونة التأمينات بأنه: "يترتب عن هذا الإلغاء إرجاع كل المبالغ التي تكون قد دفعت من طرف المكتتب". ويُعد هذا الإرجاع، من الضمانات القانونية المهمة لممارسة حق الرجوع، لأنه سيحفز المؤمن لهم على ممارسة هذا الحق، لقناعتهم أن ذلك لن يرتب مسؤوليتهم عن دفع أي تعويض أو حرمان من الأقساط المدفوعة. غير أنه يثار تساؤل حول الأثر المترتب عن تماطل المؤمن أو تأخره في رد الأقساط المدفوعة سلفا من قبل المؤمن له عند التراجع عن العقد؟ كجواب على ذلك، فالمشرع المغربي لم ينص صراحة عن جزاء التماطل أو التأخر عن رد أقساط المؤمن له، على عكس المشرع الفرنسي الذي رتب فوائد التأخير عن إرجاعها لمصلحة المؤمن له لإلزامه وإرغامه قانونا على تسريع مسطرة الارجاع. من خلال ما سبق، يمكن القول أن الهدف من حق الرجوع ليس فقط حماية المستهلكين من تعسفات وشطط المهنيين، وإنما أيضا حمايته ضد نفسه، ضد أي رضاء متسرع وغير مدروس؛ وذلك انطلاقا من الموازنة بين مصلحته الخاصة، والمصلحة العامة في استقرار وثبات المعاملات التجارية. وفي الأخير يثار إشكال بخصوص اعتبار الرجوع حق أم مكنة قانونية ؟ بالقول أنه حق يعني أن له أصول
المبحث الثاني: آثار عقد التأمين على الحياة
وعليه فإن تغطية المخاطر خاصة في عقد التأمين على الحياة ترتب التزامات متقابلة بين أطرافه، الشيء الذي ينتج آثارا عند وفاء أو إخلال أحد المتعاقدين في تنفيذها (المطلب الأول)، كما أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم والتي تمس المستهلك بالخصوص دفعت إلى تبني القروض الاستهلاكية كآلية للتمويل، فإذا كان اختصاص منح هذه القروض يعود للأبناك فإن الحصول عليه من طرف المقترض يستدعي وجود ضمانات كعقد التأمين، ثم إنه عند ممارسة الدعاوى بين أطراف عقد التأمين يجب أن تراعى مسألة التقادم (المطلب الثاني). انطلاقا من تعريف المشرع المغربي لعقد التأمين من خلال القانون 17.99 في مادته الأولى بأنه اتفاق بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما، وأنه بمقتضى هذا الاتفاق تتحدد التزاماتهما المتبادلة، فإنه من أجل ذلك يتحمل المؤمن له بالتزامات سواء عند إبرام العقد أو أثناء سريانه، وهي كما نصت عليها المادة 20 من مدونة التأمينات (الفقرة الأولى)، كما يتحمل المؤمن التزامات موازية ومعادلة لالتزامات ذلك المؤمن له (الفقرة الثانية). نظرا لأن طبيعة المصلحة في التأمين على الأشخاص لا تختلف اختلافا كبيرا عنها في التأمين عن الأضرار، فيمكن أن تكون اقتصادية ويمكن أن تكون معنوية، كما يمكن أن تجتمع بين الصفتين معا، فمن ذلك يترتب على المؤمن له التزامات عدة، للحصول على مصلحة ذلك التأمين تتمثل أساسا في الالتزام بالتصريح (أولا)، لكن حسب ما نصت عليه المادة 20 في فقرتها الرابعة فهناك التزامات للمؤمن له مستثناة في التأمين على الحياة (ثانيا). أولا: التزامات المؤمن له حسب المادة 20 من مدونة التأمينات 1- التزامات المؤمن له عند تكوين العقد يلتزم المؤمن له في التأمين على الحياة بالتزام قبلي عن التعاقد مع المؤمن، والمتمثل أساسا في التصريح لذلك المؤمن بكل البيانات والظروف المتعلقة بالخطر، فالتزامات فيكون مُلزما به أثناء إنشاء العقد، للتصريح بكل ما هو ضروري والإجابة بكل صدق ووضوح عن الأسئلة التي يضعها المؤمن. حيث يعتبر أول التزام ملقى على عاتق المؤمن له في التأمين على الحياة، التزامه بالتصريح بالخطر، أي التزامه بالتصريح بكل الظروف المعروفة لديه والتي تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها، ومن ذلك يستخلص وجوب توفر شرطين اساسيين لهذا الالتزام والمتمثلين في: أ- أن يكون الظرف من شأنه أن يُمَكن المؤمن من تكوين فكرة عن الخطر، وبعبارة أخرى أن يكون الظرف مؤثرا؛ ب- أن يكون المؤمن له عالما به. وتتعلق هذه الظروف مثلا في التأمين لحال البقاء بسن المؤمن له، ولا تهمه كثيرا حالته الصحية لأن المؤمن لا يُضار بوفاة المؤمن له، أما بالنسبة للتأمين لحال الوفاة فيحتاج المؤمن لمعرفة سن المؤمن له وحالته الصحية. ومن الاشكالات التي يطرحها هذا الالتزام كون المشرع نص في المادة 20 من مدونة التأمينات على عبارة " كل الظروف المعروفة لديه التي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها "، وهو ما يُفهم منه تصريح المؤمن له بالبيانات التي يعرفها، لكن قد يعلم المؤمن له ذلك البيان أو الظرف إلا أنه يجهل أهميته بالنسبة للخطر. لذلك نعتقد أن المشرع المغربي لم يضع على كاهل المؤمن له تقدير أهمية ذلك الظرف أو البيان، بل وضع على كاهله التزاما بالتصريح بالبيانات التي يعلمها، ووضع على كاهل المؤمن تقدير أهميتها واتخاذ الموقف الواجب بشأنها. ففي حالة الإخلال بالالتزام المتعلق بتصريح المؤمن له بالظروف التي تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها عند إبرام العقد، فقد أقر المشرع المغربي بأنه في الحالة التي يكون فيها ذلك المؤمن له سيء النية فإنه يواجَه ببطلان عقد التأمين، سواء كان ذلك الكتمان أو التصريح الكاذب يُغير موضوع الخطر أو يُنقص من أهميته في نظر المؤمن، حتى ولو لم يكن للخطر الذي أغفله المؤمن له أو غير طبيعته تأثير على الحادث، وذلك حسب المادة 30 من مدونة التأمينات. 2- التزامات المؤمن له أثناء التعاقد يلتزم المؤمن له بالإضافة إلى التزاماته القبلية لنشوء عقد التأمين على الحياة، فإن له التزامات أخرى تستمر باستمرار عقد التأمين، والمتجلية أساسا في التصريح بالظروف المنصوص عليها في بوليصة التأمين والتي ينتج عنها تفاقم الخطر. فالتزامه هذا يتجلى في توجيهه (المؤمن له) للتصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين، إذا كان هذا القسط متغيرا وذلك في الآجال المحددة في العقد، وبالنسبة لهذا الالتزام، فهو الالتزام الذي نص عليه المشرع المغربي في البند الثالث من المادة 20 من مدونة التأمينات. والملاحظ أن هذا الالتزام يرتبط كل الارتباط بتفاقم الخطر المنصوص عليه في المادة 24 من مدونة التأمينات، أي بظهور ظروف مستجدة تؤدي إلى اشتداد الخطر والتي لو وجدت قبل ذلك لامتنع المؤمن عن إبرام العقد أو لمَا أبرمه مقابل قسط إضافي، أو تناقص ذلك الخطر حسب المادة 25 من نفس المدونة، أي بزوال ظروف مشددة للخطر، كأن يكون المؤمن له مريضا بمرض مزمن فيُشفى منه، أو يكون عاملا بقطاع شديد الخطورة فينتقل للعمل بقطاع يسير. ومن خلال المادة 25 أعلاه، يتبين أن تخفيض مبلغ قسط التأمين، عند زوال الظروف المشددة للخطر والمشار إليها في البوليصة فإنه يعد كحق للمؤمن له، بحيث يمكنه ممارسته رغم كل اتفاق مخالف لذلك. ثانيا: التزامات المؤمن له المستثناة في التأمين على الحياة انطلاقا من الفقرة الرابعة من المادة 20 من مدونة التأمينات التي تنص على: "لا تطبق أحكام البنود 1) و4) و5) أعلاه على التأمينات على الحياة"، يتضح أن المشرع المغربي قد أعفى المؤمن له من بعض الالتزامات. يعد أهم التزام استثناه المشرع المغربي المؤمن له منه، ذلك الالتزام المتعلق بالتصريح بالظروف المستجدة بعد إبرام عقد التأمين، فالمؤمن له لا يلتزم بالتصريح بالظروف المؤثرة في الخطر عند إبرام العقد فحسب، وإنما يقع عليه التزامات التصريح بكل الظروف المنصوص عليها في العقد والتي من شأنها اشتداد الخطر. فبالنسبة للالتزام المتعلق بالتصريح بتفاقم الخطر، فالمقصود منه أن يلتزم المؤمن له بالتصريح بالظروف المستجدة بعد إبرام عقد التأمين، والتي لو وجدت قبل ذلك لامتنع المؤمن عن إبرام العقد أو لما أبرمه مقابل قسط إضافي. وبذلك فشروط الالتزام بالتصريح بتفاقم الخطر تتجلى في اقتصار تصريحه بالظروف التي شددت الخطر بعد إبرام عقد التأمين، والتي يعلمها ويكون منصوصا عليها في العقد. إلا أن المشرع المغربي قد استثنى التزام التصريح بتفاقم الخطر في إطار التأمين على الحياة، حيث نصت المادة 20 من مدونة التأمينات في فقرتها الرابعة على أنه: "لا تطبق أحكام البنود 1) و4) و5) أعلاه على التأمينات على الحياة"، هذا وأن البند الرابع هو المتعلق بالتصريح بتفاقم الخطر. ومن المبررات التي استدل بها الفقه لاستبعاد التأمين على الحياة من مجال هذا الالتزام، نجد: 1- إن الظروف التي تؤدي إلى تفاقم الخطر في التأمين على الحياة تدخل في الاعتبار عند إبرام العقد، فالمؤمن يراعي عند إبرام العقد فرضيات تقدم سن المؤمن له، وتدهور حالته الصحية، وتغير مهنته ونقص دخله. 2- إن فرض التصريح بالتفاقم في التأمين عن الحياة من شأنه أن يؤدي إلى الحد من نشاط المؤمن له، ذلك أن إلزام المؤمن له في التأمين على الحياة بالتصريح بكل التغييرات التي تقع في نشاطه من شانه ان يشل هذا النشاط ويقلل فيه روح المبادرة. ومنه يتضح أن الهدف من استبعاد التأمين على الحياة من هذا الالتزام، يتجلى بالأساس في أن طبيعة هذا النوع من التأمين تقتضي أن يشمل ضمان المؤمن للخطر أيا كانت حالته بعد انعقاد العقد، ولو طرأ من الظروف ما يؤدي إلى تفاقمه كتقدم المؤمن له في السن أو إصابته ببعض الأمراض... وغيرها، فلا يُعقل أن يلزم المؤمن له بالتصريح بشيء وهو داخل بطبيعته في ضمان الخطر. إضافة إلى ذلك فطبقا للفقرة الرابعة من المادة 20 من مدونة التأمينات سالفة الذكر، فالمشرع قد استثنى في التأمين على الحياة التزاما ثانيا يتجلى في تأدية المؤمن له لقسط التأمين أو الاشتراك في المواعد المتفق عليها، وهو ذلك الالتزام المتمثل في دفع المؤمن له المقابل المتفق عليه نظير تحمل المؤمن للضمان طوال فترة العقد، أي أنه سبب التزام المؤمن بالضمان. وفي حالة عدم أداء المؤمن له لذلك القسط أو الاشتراك في الموعد المتفق عليه، يطبق المؤمن الإجراءات المنصوص عليها في الفصول 21، 22 و 23 من مدونة التأمينات، غير أن السؤال الذي يُطرح بهذا الصدد، هل يمكن الأخذ بجزاء وقف الضمان أو الفسخ في عقد التأمين على الحياة؟ كجواب على التساؤل المطروح، فإن المشرع قد استثنى بصريح النص القانوني المؤمن له في التأمين على الحياة من جزائَيْ وقف الضمان والفسخ عند عدم أداء الأقساط. حيث يرى أحد الفقه أن الالتزام بسداد القسط اختياري بالنسبة للمؤمن له في عقود التأمين على الحياة، فيستطيع هذا الأخير أن يمتنع عن سداد الأقساط اللاحقة لإخطار المؤمن كتابة برغبته في التحلل من العقد، ولا يؤثر ذلك على التزام المدين بالأقساط السابقة على الإخطار، لأن المشرع المغربي يأخذ في اعتباره الطبيعة الخاصة لعقد التأمين على الحياة والتي تجعل منه عملا من أعمال الاحتياط للمستقبل يخضع لمشيئة صاحبه فيُمَوله من دخله الدوري وينفرد بتقدير مدى حاجاته للاستمرار فيه، وقد حرم المشرع المؤمن من دعوى المطالبة بدفع الأقساط وذلك حسب المادة 85 من مدونة التأمينات. وقد فرض المشرع المغربي كذلك معاملة متميزة للمدين بقسط التأمين على الحياة، حيث رتب على إعذاره برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، وتماطله في الأداء أحد الحُكمين: 1- الحالة التي تكون فيها جملة الأقساط المتأخرة لا تصل إلى أقساط ثلاث سنوات: يوجه إليه المؤمن رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل يخبره بأنه بعد انتهاء أجل عشرين (20) يوما من تاريخ توجيه هذه الرسالة، فإن عدم أداء هذا القسط أو الجزء وكذا الأقساط التي يكون استحقاقها قد حل خلال الأجل المذكور، يؤدي إما لفسخ العقد في حالة انعدام أو عدم كفاية قيمة استرداد رأس المال أو الإيراد المضمون، وإما لتخفيض رأس المال أو الإيراد المذكورين. 2- حالة عقود التأمين في حالة الوفاة المبرمة لمدى حياة المؤمن له دون شرط البقاء على قيد الحياة، وفي جميع العقود التي تؤدى بموجبها المبالغ أو الإيرادات المؤمن عليها بعد عدد محدد من السنوات: وفيه لا يترتب على عدم دفع قسط التأمين إلا تخفيض رأس المال أو الإيراد المضمون، رغم كل اتفاق مخالف، شريطة أن يكون قد تم أداء ثلاثة 3 أقساط سنوية على الأقل. ويتجلى أخر استثناء من التزامات المؤمن له المستثناة في التأمين على الحياة حسب الفقرة الرابعة من الفصل 20 من مدونة التأمينات السالفة الذكر، التزام المؤمن له بإخطار المؤمن بكل حادث من شأنه أن يؤدي إلى إثارة ضمان المؤمن، وذلك بمجرد علمه به وعلى أبعد تقدير خلال الخمسة أيام الموالية لوقوعه. ويرجع السبب في استثناء المشرع المغربي المؤمن له من هذا الالتزام، في كون هذا التأمين على الحياة لا يرتبط بحدوث خطر ما، وإنما باتفاق على وقت معين لأداء مبلغ التأمين من طرف المؤمن للمؤمن له أو للمستفيد. أولا: التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين يُعتبر التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين هو الالتزام الأساسي الملقى على عاتقه، حيث يلتزم بسداد مبلغ التأمين إلى المومن له بمجرد انتهاء العقد أو تحقق الخطر، وتختلف طبيعة ونوع مضمون هذا الالتزام باختلاف نوع التأمين فيما إذا كان تأمينا على الأشخاص أو تأمينا على الأضرار. فإذا كان مبلغ التأمين في التأمين على الأضرار يُهمين عليه المبدأ التعويضي وقاعدة النسبية، بحيث لا يمكن أن يزيد ذلك المبلغ عن قيمة الضرر، والذي يتخذ في هذه الحالة إحدى الصورتين إما دفع مبلغ نقدي أو أداء عينيا. فإنه في التأمين على الأشخاص الذي يدخل ضمنه التأمين على الحياة، يلتزم المؤمن بسداد مبلغ التأمين المتفق عليه عند التعاقد بانتهاء مدة العقد. لكن يمكن أن يُخل المؤمن بالتزامه في أداء مبلغ التأمين في أحد الأمرين: أ- التأخر في الأداء، وهنا يكون للمؤمن له طريقتان إما رفع شكاية إلى وزارة المالية، باعتبارها الجهاز الوصي على قطاع التأمين، أو اللجوء إلى القضاء. ب- إنكار حق المؤمن له في مبلغ التأمين، وهنا على المؤمن له أن يتوجه إلى القضاء لإثبات حقه في مبلغ التأمين، فإذا أثبت ذلك كان له الحصول على هذا المبلغ الأخير فضلا عن فوائده القانونية منذ تاريخ المطالبة القضائية، ما لم يتفق على غير ذلك. وفي نظرنا فإنه يجب على المشرع المغربي وضع حق للمؤمن له بالحصول على تعويض عادل، وذلك في حالة إثباته لوجود خطأ جسيم أو رفض تعسفي يعكس سوء نية المؤمن في التأخير بالأداء. ثانيا: الطلب الاحتياطي الحسابي في التأمين على الحياة لقد جرت العادة لدى شركات التأمين القيام بتحديد قسط ثابت غير متغير طوال مدة التأمين، وتستعين لذلك بما يسمى بالاحتياطي الحسابي، الذي يُعرف بأنه مبلغ نقدي يعطي لشركة التامين على الحياة القدرة على تثبيت تعريفة القسط طوال فترة التأمين رغم تغير وتبدل ظروف المؤمن له، وتزايد احتمالات تحقق الخطر المؤمن منه . فيمكن لعقود التأمين على الحياة أن تكون ذات رأسمال متغير، وفي هذه الحالة، يُحتسب رأس المال أو الإيراد المضمون بوحدات حسابية تدعى قيما مرجعية، تتكون هذه الوحدات الحسابية من قيم منقولة أو سندات واردة في قائمة محددة بنص تنظيمي، آخذت بعين الاعتبار مدى أمان ومردودية هذه القيم أو السندات، غير أنه في جميع الحالات، يمكن للمؤمن له أو المستفيد أن يختار إما التسديد نقدا وإما تسلم القيم أو السندات، لكن إذا كانت هذه الوحدات الحسابية مكونة من سندات أو قيم غير قابلة للتداول، فلا يمكن أن يتم التسديد إلا نقدا . ففي هذه الحالة - عقود التأمين على الحياة ذات رأسمال متغير- يحتسب رأس المال أو الإيراد المضمون والقسط والاحتياطي الحسابي، بوحدات حسابية موافق عليها من طرف المؤمن له، عندما يكون عقد التأمين ذو رأس المال المتغير محتسبا بعدة وحدات حسابية، فإن القسط المقابل له يوزع حسب نفس النسب. ويختلف مصدر تمويل هذا الاحتياطي بحسب طبيعة عقد التأمين على الحياة 1- ففي التأمين لحال الوفاة، يتم تمويل الاحتياطي من الزيادة التي تضيفها الشركة على قيمة القسط في السنوات الأولى للتأمين لتغطية زيادة فرص تحقق الوفاة والتي تتماشى تصاعديا مع تقدم المؤمن عليه في السن. 2- في التأمين المختلط، يتعهد المؤمن بدفع مبلغ التأمين إلى المؤمن له نفسه، إذا ظل حيا حتى أجل معين أو لورثته أو المستفيد بعينه إذا توفي قبل هذا التاريخ، وهنا يؤخذ المؤمن قسطين من عملية في صورة قسط واحد، أولهما قسط الخطر لمواجهة خطر الوفاة، وثانيهما هو قسط الادخار لمواجهة حلول الأجل المحدد في العقد الذي يرتب التزامه بالضمان، ويستمر القسط الأخير في الزيادة حتى يصبح في نهاية التأمين مساويا للمبلغ الواجب دفعه إلى المؤمن له. وأيا كان الأمر، فإن شركات التأمين تطلق على مجموع المبالغ المستخدمة في التكوين الاحتياطي، والتي تجمعها من جميع المؤمن عليهم "الاحتياطي الاجمالي"، وتطلق على نصيب كل مؤمن له في هذا الاحتياطي "الاحتياطي الفردي"، ومنه يتميز الاحتياطي الإجمالي عن الاحتياطي الفردي في تصاعده في بداية سنوات التأمين، ثم تناقصه مع تقدم هذه السنوات حتى ينتهي تماما بوفاة آخر مؤمن له طبقا للحسابات الإلكترونية. للقرض الاستهلاكي دور هام في تحريك عجلة الاقتصاد وتنشيط الحركة التجارية كونه أداة توفر السيولة النقدية اللازمة للحصول على السلع والخدمات. ولتنشيط عمليات الائتمان فقد أصبح للتأمين دور هام في ضمان الحصول على القرض، إذ يسمح للمؤمن له بتدعيم موقفه أمام دائنه الذي يقرضه مبلغا من المال في الوفاء بالتزاماته، حيث يضمن المقرض حقه في استيفاء حقه من التعويض الذي تدفعه شركة التأمين، وفي الحالة التي يفتقر لها المؤمن له لتقديم شيء كضمان يمكن الاستعانة بعقد التأمين على الحياة، وذلك برهن وثيقة التأمين رهنا حيازيا للحصول على القرض . أمام ما يطبع هذا النوع من القروض من اللاتوازن بين أطرافه وما يستتبعه استغلال بعض المقرضين لحمل المستهلك على التعاقد بشروط مجحفة، فقد سعى المشرع المغربي على غرار التشريعات المقارنة إلى تأطير هذا المجال وتنظيمه في القانون 31.08 في القسم السادس من الباب الأول المعنون بالاستدانة حيث عرف القرض الاستهلاكي في المادة 74 منه بأنه: "أي عملية قرض ممنوح بعوض أو بالمـجان من مُقـرِض إلى مقترض يعـتبر مستهـلكا كما هو معـرف في المادة الثانية، وكذا على كفـالته المحتـمل". ولتوفير الحماية اللازمة للمستهلك المقترض من تجاوزات البنك المقرض، فقد تم وضع مجموعة من المقتضيات ذات الصبغة الآمرة لتنوير إرادة المستهلك قبل إبرام العقد. تتجلى أولى هذه المقتضيات في الالتزام بالإعلام كواجب ملقى على عاتق البنك المقرض، وتمكين المستهلك من الاطلاع مسبقا على محتوى العقد بمنحه أجلا للتفكير من أجل تقييم طبيعة ومدى الالتزامات التي قد يتحملها وكذا شروط تنفيذها، وكذا حقه في التراجع، إضافة إلى منح القضاء سلطة مراقبة الشروط التعسفية التي قد يدرجها البنك في عقود القرض مستغلا في ذلك ضعف وحاجة المستهلك. إذا كانت هذه الالتزامات ملقاة على عاتق البنك المقرض، فإن المستهلك المقترض بدوره يلقى عليه الالتزام برد مبلغ القرض مضافا إليه الفوائد المترتبة عليه، إلا أن المستهلك أحيانا قد لا يتمكن من تنفيذ هذا الالتزام في الأجل المتفق عليه نظرا لوجود ظروف طارئة حالت دون تسديده أقساط القرض، لذلك، فإن المادة 104 من القانون 31.08 نصت على أنه: "في حالة توقف المقترض عن الأداء، فإنه يمكن للمقرض أن يطالب بالتسديد الفوري لرأس المال المتبقى المستحق بإضافة الفوائد الحال أجلها وغير المؤداة ...". لكن الإشكال يثار عند عدم سداد المقترض الدين المستحق للبنك المقرض رغم منحه مهلة المَيْسرة، فخطر عدم السداد خطر جسيم حيث إن البنك وفي معظم الحالات يقرض أموالا ليست ملكا له، أي أن هذا الأخير يكون ملزما أمام مودعين. هنا غالبا ما تقوم شركات القروض بإجبار المقترض على توقيع سند لأمر بقيمة الدين، وفي حال توقفه عن الأداء تقوم الشركة باستصدار أمر بالأداء في مواجهته بناء على سنده المذكور، وعليه فإن الدين يكون واجب الأداء إلا إذا تعلق الأمر بحالة الوفاة أو العجز الدائم الكلي للمقترض فإن شركة التأمين المؤمن لديها تقوم بأداء مبلغ الدين عوضا عن المقترض، أما عدا هاتين الحالتين فإن المبلغ يكون واجب الأداء ولا دخل للظروف الاجتماعية للمقترض في أداء أقساط الدين. إذا كان المشرع المغربي قد حدد أجل التقادم في دعاوى التأمين في سنتين، فاستثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة 36 من مدونة التأمينات فإنه تتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين على الأشخاص بمرور خمس سنوات ابتداء من وقوع الحادثة التي تولدت عنها هذه الدعوى، ويرفع هذا الأجل إلى عشر سنوات في عقود التأمين في حالة الحياة والرسملة عندما يكون المستفيد شخصا آخر غير المكتتب، وحين تكون دعوى المؤمن له ضد المؤمن ناتجة عن الرجوع الذي قام به أحد الأغيار. وتشمل الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، الدعاوى التي يوجهها المؤمن ضد المؤمن له كدعوى المطالبة بأقساط التأمين، ودعوى بطلان أو إبطال عقد التأمين، ودعوى فسخ عقد التأمين. أما بالنسبة للدعاوى التي يمكن للمؤمن له توجيهها ضد المؤمن فتشمل بدورها دعوى المطالبة بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، دعاوى البطلان أو الإبطال أو الفسخ وكذا دعوى استرداد أقساط التأمين المرتبطة بالفترة التي لم تعد فيها الأخطار مضمونة. وقد استثنت المادة 36 المذكورة من سريان أجل التقادم الحالات الآتية: 1- في حالة إغفال أو تصريح خاطئ بشأن الخطر الساري، إلا ابتداء من اليوم الذي علم فيه المؤمن بذلك؛ 2- في حالة عدم دفع أقساط التأمين أو جزء من الأقساط، إلا ابتداء من اليوم العاشر من حلول أجل استحقاقها؛ 3- في حالة وقوع حادث، إلا ابتداء من اليوم الذي علم فيه المعنيون بالأمر بوقوعه إذا أثبتوا جهلهم له حتى في ذلك الحين. ومن المهم الإشارة إلى أن تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين يقوم على اعتبارات النظام العام، لا على قرينة الوفاء لأنه يخضع لأحكام خاصة للتقادم ولا يخضع لأحكام الفصول 388، 389 و390 من ق.ل.ع. وبخصوص إمكانية تخفيض التقادم من عدمه، فقد نصت المادة 37 من مدونة التأمينات على أنه لا يمكن تخفيض مدة التقادم وذلك حماية للطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، خلافا للقاعدة التي تقضي بتقصير أجل التقادم. وهو نفس الموقف الذي اتخذه قانون التأمين الجزائري من خلال نصه في الفقرة الرابعة من المادة 25 على أنه: "لا يمكن اختصار أجل التقادم باتفاق الطرفين"، وبمفهوم المخالفة لهذه المادة يجوز الاتفاق على إطالة مدة التقادم متى كان في ذلك مصلحة للمؤمن أو المستفيد.
خاتمة :
انطلاقا من كل ما سبق، يمكن القول أن عقد التأمين على الحياة باعتباره أداة هامة تهدف إلى حماية الأفراد من المخاطر المتعلقة بحياتهم من جهة، ووسيلة لتشجيع الادخار وتكوين رؤوس الأموال بما يخدم الاقتصاد الوطني فإن المشرع اتجه نحو إقراره وإجازته في منظومته التشريعية من جهة أخرى. وتبعا لذلك فقد أفرد المشرع لهذا النوع من التأمين أحكاما خاصة تميزه عن باقي أنواع التأمين، وذلك من أجل إضفاء حماية قانونية على طرفي العقد، خاصة الطرف الضعيف، ومن بينها إعفاء المؤمن له بالتصريح بالظروف المستجدة بعد إبرام العقد، وأيضا نجد حق الرجوع الذي خوله للمؤمن له من أجل إعادة النظر في التزام سابق، لكن ما يعاب على هذا الحق أن المشرع قصر من مدته مقارنة بتشريعات أخرى، حيث أن أجل 15 يوم تعتبر مدة غير كافية من أجل التفكير مليا في التراجع عن العقد، كما أنه أغفل تنظيم كيفية ممارسة هذا الحق بما يخدم مصالح المؤمن له. ولضمان استمرارية هذا النوع من التأمينات ونجاعته نقترح ما يلي: - تنظيم كيفية ممارسة حق الرجوع تنظيما محكما من أجل حسن تطبيقه. - تمديد أجل حق الرجوع على غرار التشريع الفرنسي. - نشر التوعية بين المواطنين حول أهمية التأمين على الحياة بمختلف تطبيقاته. أنظر أيضا :
لقد نظم المشرع المغربي حق الرجوع في المادة 97 من مدونة التأمينات، بحيث جاء فيها ما يلي: "إذا عرض على شخص بمنزله أو بمكان عمله أو بمكان خاص أو عام اكتتاب عقد تأمين على الحياة وتم الاكتتاب أثناء تلك الزيارة، وجب منحه أجلا لا يقل عن خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ اكتتاب العقد لكي يلغي هذا الالتزام".
تعليقات
إرسال تعليق