عرض شامل حول قراءة في الإطار القانوني لحماية المستهلك PDF






المبحث الثاني : مجالات حماية المستهلك ومحدوديتها

    في إطار استكمال بناء المنظومة التشريعية المغربية المستجيبة لمتطلبات الانفتاح الاقتصادي، ومستلزمات اقتصاد السوق الذي تشكل الدولة فاعلا أساسيا فيه من حيث السهر على تنظيمه بما يكفل التوازن وعدم السيطرة والاستحواذ من قبل طرف دون آخر، وخاصة الجانب الضعيف في المعاملات عملا بما هو جاري في المحيط الإقليمي والدولي، فقد ارتأى المشرع المغربي إقرار تشريع خاصة بحماية المستهلك من خلال القانون رقم 08-31 الصادر بتاريخ 18 فبراير 2011.
   وربطا لهذا القانون بمتطلبات المجتمع ، بما يزخر به من معاملات مدنية وتجارية ، فقد ضمن هذا القانون مجالات عدة تستهدف بالدرجة الأولى حماية المستهلك ( المطلب الأول) إلا أنه بالرغم من ذلك فالقانون  31.08 يتضمن بين طياته مجموعة من الثغرات سوف يتم معالجتها في (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : مجالات حماية المستهلك في قانون 31.08
     عمل المشرع المغربي على محاولة لإيجاد عدة نصوص قانونية تهتم بحماية المستهلك، حيث إذ أصبح لزاما إصدار نص قانوني موحد وهو أمر فطنت له الحكومة المغربية التي أصدرت قانون 08-31 الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وهذا القانون يضم ترسانة مهمة من  الأحكام ترمي كلها إلى حماية المستهلك  ( الفقرة الأولى ) بالإضافة  إلى تقرير مجموعة  من  الحقوق الوقائية ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : حماية المستهلك من الشروط التعسفية و في بعض العقود الخاصة
      تعد الشروط التعسفية من أهم ما يثقل التزام المستهلك في العقود الإستهلاكية باعتبارها شروطا مجحفة؛ ظالمة تنال من رضا المستهلك، كما أن بعض العقود ونظرا لطبيعتها الخاصة حاول من خلالها المشرع إضفاء حماية للمستهلك نظرا لمركزه الضعيف، يتعلق الأمرهنا  بالعقود المبرمة عن بعد وعقود القرض.

أولا : حماية المستهلك من الشروط  التعسفية
    تعتبر عقود الإستهلاك مجالا رحبا لاستغلال المهنيين لوضعيتهم المتميزة للمستهلكين من خلال الشروط التي يضمنوها عقودهم، حيث لا يملك المستهلك إلا الخضوع لهذه الشروط التي تغلب بشكل غير معقول مصالح المهنيين على مصالح المستهلكين. كما هو الحال في عقود بيع وشراء السلع والخدمات والمنتجات وعقود أداء أو تقديم الخدمات وعقود النقل بوجه عام ،هذه الوضعية برزت من خلال التحولات الإقتصادية والإجتماعية التي ازدادت حدتها منذ بداية القرن العشرين الذي ميزته ثورة في إنتاج السلع والخدمات مما أفرز فجوة بين المهنيين والمستهلكين فظهرت بذلك الحاجة إلى حماية الطرف الضعيف – المستهلك
    كما تعتبر الشروط التعسفية أهم ما يثقل التزام المستهلك في العقود الإستهلاكية باعتبارها شروطا مجحفة؛ ظالمة تنال من رضا المستهلك، وكذا باعتبارها المجال الخصب لظهور الشروط التعسفية لأن أغلب هذه العقود يستقل بتحريرها المهني العارف بخبايا الأمور ولا يقوى المستهلك عادة على مناقشة بنود هذا العقد إما لعدم أو قلة التجربة أو عدم اطلاعه على التقنيات والفنيات المرتبطة بموضوع العقد، بالإضافة إلى جهله بالنصوص التشريعية، ولذلك يعد المستهلك بحق الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية يحتاج إلى حمايته من الشروط التعسفية[1]
    لهذا نصت المادة 15 من القانون الجديد لحماية المستهلك بالمغرب على أنه :" يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك".
من خلال تعريف  الشرط  التعسفي في عقد الإستهلاك  يتضح وجود عنصرين هامين لاعتبار الشرط  تعسفيا وهما:
·       التعسف في استعمال القوة أو السلطة الإقتصادية للمهني
·       الميزة المفرطة والمتجاوزة التي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد
    وبالعودة لمختلف محاور القانون 31.08 نلاحظ أن  هناك الكثير من الحالات التي تؤكد على ضرورة تفسير الشروط الغامضة والمبهمة لصالح المستهلك باعتباره طرفا ضعيفا في هذه العلاقة التعاقدية، من ذلك ما جاء في المادة 9 من القانون 31.08 بأنه في العقود التي يتم إبرامها وتحريرها كتابة، يستوجب أن تكون الشروط الواردة فيها واضحة ومفهومة، وفي حالة الشك حول مدلول أحد هذه الشروط، فإنه يتم ترجيح التأويل الأكثر فائدة للمستهلك[2].
    وبالتالي يعتبر باطلا و لاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد و المستهلك[3] .
ثانيا : حماية المستهلك في عقد البيع عن البعد
    يعتبر العقد المبرم عن بعد من الممارسات التجارية الحديثة والتي صارت تحظى باهتمام التشريع في الآونة الأخيرة وتتطلب تنظيما خاصا يضبط آليات إبرامها وتنفيذها على النحو الذي لا تتأثر معه إرادة المستهلك، خاصة وأن إبرام هذا النوع من العقود يتم دون التواجد المادي لأطراف العقد لكونه يسمح للمستهلك بطلب خدمة أو شراء سلعة من موقعه دون حاجة إلى الانتقال إلى متجر البائع .
    ولهذا عمل المشرع المغربي على سن مقتضيات تشريعية خاصة حماية للمستهلك في هذا النوع من العقود، وذلك في القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ( وبالضبط المواد 25 إلى 44 منه).
    ويقصد بهذا النوع من العقود حسب بعض الدارسين[4]بأنه " كل تعاقد وارد على سلع أو خدمات يبرم بين بائع ومستهلك في إطار نظام للبيع أو لتقديم الخدمات عن بعد منظم من طرف البائع والذي يستعمل في إبرامه حصريا تقنية أو أكثر للاتصال عن بعد "
    ويقصد في هذا الإطار بتقنية الاتصال عن بعد" كل وسيلة تستعمل لإبرام العقد بسن المورد والمستهلك بدون حضورهما شخصيا وفي آن واحد "[5].
    و هكذا ألزم المشرع في المادة 29 من نفس القانون المورد أن يبلغ إلى المستهلك مجموعة من المعلومات بطريقة واضحة ومفهومة تتلاءم مع التقنية المستخدمة للاتصال بالمستهلك عن بعد[6]
    إضافة إلى إلزام المشرع المورد بالمعلومات التي يجب أن يتضمنها العرض المتعلق بعقد البيع عن بعد، فقد ألزم المشرع المورد أيضا بأن يوجه إلى المستهلك قبل إبرام العقد تأكيدا للمعلومات الواردة في هذا العرض كتابة أو بأي وسيلة دائمة أخرى موضوعة رهن تصرفه في الوقت المناسب وعلى أبعد تقدير عند التسليم[7]، لأنه بالنسبة للعقد المبرم بشكل إلكتروني ومجرد إشهار المعلومات في الموقع الإلكتروني لا يعتبر تأكيدا لهذه المعلومات، لأن صفحة الموقع الالكتروني لا تعتبر " وسيلة دائمة " بمفهوم القانون، بحيث يشترط لكي تكون هذه الوسيلة " دائمة " أن تتم بموجب تصرف إرادي وضعه المورد رهن إشارة تصرف المستهلك[8]
ثالثا : حماية المستهلك في عقد القرض
   للقرض الاستهلاكي دور هام في تحريك عجلة الاقتصاد وتنشيط الحركة التجارية، فهو أداة تمويل من اجل الحصول على السلع و الخدمات المبتغاة في اقرب وأسرع وقت دون ضرورة لتوفر السيولة النقدية اللازمة. وقد عرفت مؤخرا انتشارا مقلقا لعدم وجود ضوابط  تحد من سوء استعماله، فكانت النتيجة ان تأسست شركات متخصصة في تقييم قروض الاستهلاك، وأنشأت الابناك فروعا لنفس الغاية.
   ولأن القرض الاستهلاكي يجمع بين طرفين تتضارب مصالحهما بشكل جلي، فان الخشية من استغلال حاجة المقترض لحمله على القبول بعقد مجحف و ظالم لها في هذا المجال، قد اهتم المشرع المغربي بالمستهلك المقترض منذ ظهير 1913 المتعلق بالالتزامات والعقود، وذلك في الباب الثالث من القسم الخامس من الكتاب الثاني المتعلق بالقرض بالفائدة. كما عملت كل القوانين البنكية سواء قانون [9]1993 أو قانون[10]2006 على توفير حماية للمستهلك المقترض، بالإضافة إلى مجموعة من المراسيم والنصوص التنظيمية الصادرة في هذا الاطار. لتكلل كل هذه المجهودات بوضع قانون جديد رقم 08_31  المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك[11] من أجل ضمان المساواة و التوازن في العلاقة بين المستهلك والبنك، وذلك من خلال تنظيم العلاقة بينهما.
     وقد عمل المشرع المغربي من خلال القانون 08-31 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك على التنصيص على القرض الاستهلاكي من خلال الباب الأول من القسم السادس المعنون تحت اسم الاستدانة، وقد تطرق المشرع المغربي من خلال المادة 74  لنطاق تطبيق القروض الاستهلاكية، حيث نص على انه تطبق أحكام هذا الباب على كل قرض استهلاكي باعتباره كل عملية قرض ممنوح  بعوض او بالمجان من مقرض إلى مقترض يعتبر مستهلكا.
وتنص المادة 75 من نفس القانون على القروض التي لا تطبق عليها احكام هذا الباب وهي:
       القروض الممنوحة لمدة إجمالية تقل عن ثلاثة اشهر او تعادلها.
       القروض المخصصة لتمويل حاجيات نشاط مهني وكذا القروض الممنوحة لفائدة الاشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام
      - القروض الخاضعة لأحكام الباب الثاني من هذا القسم ( القروض العقارية).
    ومن مظاهر حماية المستهلك في عقد القرض تدخل المشرع المغربي من خلال قانون08.31 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك ،لتوفير الحماية اللازمة للمستهلك المقترض من خلال تجاوزات البنك المقرض ،حيث ثم  وضع مجموعة من المقتضيات التشريعية ذات الصبغة الآمرة بهدف تنوير إرادة المستهلك قبل إبرام العقد، من خلال تكريس الالتزام بالإشهار[12] كواجب ملقى على عاتق البنك ،وتمكين المستهلك من الاطلاع مسبقا على محتوى العقد بمنحه أجلا للتفكير[13] ،من أجل تقديم طبيعة ومدى الالتزامات التي قد يتحملها وكذا شروط تنفيذها، إضافة إلى منح القضاء سلطة مراقبة الشروط التعسفية التي قد يدرجها البنك في عقود القرض  مستغلا في ذلك ضعف وحاجة المستهلك.
الفقرة الثانية : حقوق المستهلك في قانون 31.08
بالرجوع لمقتضيات قانون حماية المستهلك نجد أن المشرع المغربي منح للمستهلك حقوقا عديدة، ولعل أهمها ما سوف يتم تناوله .
أولا: حق المستهلك في التراجع
    لم تكن النظرية التقليدية للعقد منصفة عندما اعتبرت أن العقد عادل طالما أن إبرامه قد تم بتراضي الطرفين المتعاقدين على العناصر الأساسية للإلتزام وباقي الشروط المشروطة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية حسبما جاء في الفصل 230[1] من ق.ل.ع "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون"
    لهذا نجد أن المشرع قد نظم حق التراجع في القانون 08.31 القاضي بتحديد التدابير لحماية المستهلك الصادر بتاريخ 18 فبراير 2011 إذ تضمن هذا القانون العديد من التدابير الحمائية هدفها تعزيز الحقوق الأساسية للمستهلك المتعاقد على المنتوجات والسلع والخدمات، وبذلك فحق التراجع يعتبر من أهم التدابير المنصوص عليها بجانب حقوق أخرى
    وبالرجوع إلى المادة 36[14]من قانون 08.31 نجد أن المشرع قد أفرد مدة 7 أيام لممارسة المستهلك حق الرجوع وذلك كمدة معقولة للتفكير في العقد الذي ارتضاه على عجل خصوصا عندما يتبين له أن السلعة أو الخدمة لم تكن مطابقة لما كان يتوقعه، إضافة إلى تخصيص هذه المدة لتفحص الشئ المبيع بشكل جيد وللتشاور بشأن العملية التي أجراها مع أفراد أسرته وكذلك الحال مع أحد المهنيين المختصين لأخذ رأيه عن حقيقة المزايا التي يدعي المورد بأن الشئ المبيع يتوفر عليها
    وللإشارة فإن ممارسة حق التراجع يتم بإرادة المستهلك المنفردة ودون الحاجة إلى اللجوء للقضاء أو الحصول على موافقة الطرف الآخر، كما أن هذا الحق يعتبر من النظام العام لا يجوز الاتفاق على خلافه ولا يجوز للمستهلك التنازل عنه مستقبلا كما لا يجوز بأي شكل من الأشكال تقييده.
    والغاية من قيام المشرع  بإدراج الحق في التراجع تتمثل في إعتبارات كثيرة وذلك حماية لرضاء المستهلك الحقيقي وضمان إرادة واعية ومستنيرة وبإعطاء المستهلك فرصة كافية للتروي والتأمل في العقد الذي أبرمه متسرعا وبدون فكرة واعية وكافية عن المبيع[15]، وذلك في ظل تطور أنماط التعاقدات عن طريق الاتصالات الحديثة والتكنولوجية[16] وفي ظل البيوعات التي تتم بالاعتماد فقط على الصور والأوصاف التي يمررها البائع- العقود المبرمة عن بعد- إذ يجد المستهلك نفسه أمام منتوج لا يتلاءم مع ما كان ينتظره إضافة إلى إمكانية تواجد المستهلك أمام بائع متمرس وخبير  في مجال البيوعات المنزلية- البيع خارج المحلات التجارية- وبذلك فقد يعمد إلى طلب السلعة  دون أن يفكر، لذلك فإن مهلة الرجوع تبدأ من يوم تقديم الطلبية أو الالتزام بالشراء.
ثانيا : حق المستهلك في الإعلام
إن التزام المهني أو المورد بضرورة الإعلام يعد من أهم التدابير الحمائية المقررة لفائدة المستهلك بصفة عامة،  و هذا الالتزام بطبيعته يبدأ في المرحلة السابقة على إبرام العقد ويمكن أن يستمر حتى بعد إبرامه، وكذلك فإٍنه يعد أحد المرتكزات التي يقوم عليها قانون 08-31.
ويقصد به كل بائع سلعة أو مقدم خدمة، ملزم بإخبار المستهلك بالخاصيات الأساسية للسلعة أو الخدمة، وكذلك شروط العقد قبل إبرامه.
ويعتبر الحق في الإعلام في عقد الاستهلاك هو بمثابة حماية قبلية للمستهلك الغاية منه تبصيره حول مضمون هذا العقد ونتائجه حتى قبل التعاقد، أي الإخبار القبل تعاقدي بخصائص العقد الأساسية وخاصة المعطيات التي يكون لها تأثير على التزامات الأطراف أثناء تنفيذ العقد ويدخل في هذا الإطار المعطيات التي يشملها الإشهار أوالعرض المسبق[17].
بمعنى وجوب إخبار المستهلك بخصوصيات المنتوج[18] واستعمال اللغة العربية في وصف وعرض وتقديم المنتوج وبيان طريقة استعماله وشروط الضمان والخدمة بالإضافة إلى استعمال العربية في الفواتير والمخالصات من أجل ضمان إخبار جيد للمستهلك. كما يؤكد القانون 08-31 من خلال العديد من مقتضياته على ضرورة وضع مفهوم المنتوج السليم حيز التنفيذ من خلال إجبارية طرح مواد وخدمات لا تشكل أي خطر على صحة وسلامة المستهلك[19].
وللإشارة وارتباطا بحق المستهلك في الإعلام فقد صدر مرسوم تطبيقي لبعض مقتضيات تدابير حماية المستهلك[20].





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عرض حول طرق الطعن في المادة الجنائية PDF

دورة مجانية بالكامل للتحضير لاختبار ال أيلتس IELTS لتعلم اللغة الإنجليزية على منصة EDX

دورات تكوينية مجانية لتعلم اللغة الإنجليزية من جامعات عالمية في بريطانيا مرفقة بشهادة معتمدة مجانية